القبس /80(وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ) سورة النحل:16 - أهل البيت (ع) نجوم أهل الأرض
(وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ)
موضوع القبس:أهل البيت (عليهم السلام) نجوم أهل الأرض
فسرّت روايات كثيرة النجوم الواردة في عدة آيات كريمة بأهل البيت (عليهم السلام) لعدة وجوه مشتركة سنشير اليها ان شاء الله تعالى، وقد استعمل القرآن الكريم التشبيه لإيصال حقائق كثيرة تعرّف فضل أهل البيت (عليهم السلام) ووظائفهم ودورهم في حياة البشرية فكانوا (عليهم السلام) تأويل هذه الآيات الكريمة وهذا شأن القرآن الكريم في كثير من الحقائق التي لم يبيّنها في التنزيل لمصلحةٍ ما خصوصاً ما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام) لكن الأئمة (عليهم السلام) أفادوا تأويلها (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت:43) (تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21).
وقد بيّن القرآن الكريم اهتمامه بالنجوم وما يرتبط بها من وظائف وحركة متقنة ومواقع دقيقة، قال تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:75-76) ونشير هنا استطراداً إلى نكتة القسم بالمواقع دون نفس النجوم ولعلها لأمرين على الأقل:
1- بيان دقة توزيع هذه النجوم في مواقعها والانسجام التام في حركتها فتكون من آيات الخالق، ولعلمنا بهذه الدقة والانسجام فإننا نبني على قوانينها الكونية المنضبطة ونستطيع معرفة أمور وحوادث قبل وقوعها بسنين، ولو كانت مبعثرة وعشوائية لما أمكن الاعتماد عليها قال تعالى (وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء:12) فهذه الدقة في المواقع والحركة جُعِلَت في كل شيء ليتعلمها الانسان ويستفيد منها في حياته.
2- لتصحيح عقائد الناس خصوصاً وأنهم قريبو عهدٍ بالجاهلية حيث كانوا يعتقدون بأن للنجوم أرواحاً وانها تتحرك بإرادتها وبقى هذا الاعتقاد إلى وقت قريب([1]) وكانوا أيضاً يعتقدون بتأثيرها المستقل وجلبها للخير والشر ويحلفون بها فعدل الى الحلف بمواقعها ليعرفوا أنها مخلوقات مدبّرة ومسيّرة من قبل الخالق العظيم.
وهذا المعنى وارد في الروايات ففي حديث عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (إن مواقع النجوم رجومها للشياطين، فكان المشركون يقسمون بها فقال سبحانه (فلا أقسم بها) )([2]) وقال (عليه السلام) (كان أهل الجاهلية يحلفون بها فقال الله عزوجل:فلا أقسم...).
والمستفاد من استقراء الآيات الكريمة:ان للنجوم عدة وظائف وهي جارية ببعدها المعنوي في أهل البيت (عليهم السلام).
1 – الهداية، قال تعالى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل:16) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام:97) حيث كان الناس يتخذونها دليلاً لمعرفة الطرق في اسفارهم خصوصاً في البحار والمحيطات حيث لا توجد أي علامة غيرها قبل اختراع الآلات واستفادوا منها لتحديد الاتجاهات كالكعبة وبعض الأوقات فمن دون علامات في البر([3]) ، ونجوم في الجو لا يهتدون الى الطريق الموصل للغرض.
وكان الجاهليون يستهدون بها لمعرفة حظوظهم ومستقبلهم ويتفاءلون بها ولذا كانوا يطلبون الخير والبركة منها، ولعل هذا يفسّر الحركة التمويهية التي قام بها إبراهيم في قوله تعالى (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ، فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (الصافات:88-90) فكأنه (عليه السلام) طلب منهم أن يكتشفوا من النجوم التي يعتقدون بها ما يشير إلى سقمه، وما كان سقيماً في جسده ولكنه كان مرتاداً طالباً للحقيقة وهي معرفة الله تبارك وتعالى.
وهذه الوظيفة ــ وهي الهداية ــ هي من أهم وظائف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد اختارهم الله تعالى ليكونوا هداة إليه وادلاء على طاعته يأخذون بأيدي الناس من ظُلمات الجهل والتعصب والضلال واتباع الشهوات والفتن إلى نور الهداية والسعادة والفلاح، قال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء:73) فهم يهدون بأمر الله تعالى كالنجوم التي وصفها الله تعالى بأنها (مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) (الأعراف:54)، ورد في تفسير قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ) (الأنعام:97) عن علي ابن إبراهيم ان (النجوم:آل محمد(عليهم السلام))([4]) ووردت عدة روايات بهذا المعنى في تفسير قول الله عز وجل:(وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) منها عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) النجم، والعلامات هم الأئمة (عليهم السلام) بهم يهتدون)([5]) .
وهم (عليهم السلام) أولى بالهداية لأنهم آيات الله العظمى التي تمشي على الأرض بين الناس اما النجوم فهي بعيدة عنهم ولا يعرفون تفاصيلها.
فمن سار على هداهم نجا ومن تنكب عنهم هلك:وقد اشتهر عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قوله (الا مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف هنها هلك) ([6]) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلّف عنها زهق، ومن لزمها لحق)([7]).
وهذا ما أكدته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها (أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) لما اختلف في الله أثنان ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) ولكن قدّموا من أخره الله وأخروا من قدّمه الله)([8]) .
ومن رسالة الامام المهدي (عج) إلى شيعته (او ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون اليها، واعلاماً تهتدون بها من لدن آدم كلما غاب علم بدا علم، واذا أفل نجم طلع نجم)([9]) .
2 – الزينة قال تعالى (وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (فصلت:12) (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) (الصافات:6) والزينة ما يحسِّن الانسان ويجمّل هيئته الظاهرية (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف:31) والزينة تشمل الأمور الظاهرية والباطنية روى جابر الانصاري عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قوله (زيّنوا مجالسكم بذكر علي بن أبي طالب)([10]) عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (كنت انا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر الف عام، فلما خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ركّبا في آدم فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب، فنور الحق معنا نازل حيثما نزلنا)([11]) .
روى الكليني (قال أبو عبد الله (عليه السلام):إن الله خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده، بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولا نحن ما عبد الله)([12]) .
3 - الحماية والأمان:قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ، وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) (الحجر:16-17) روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قوله (النجوم أمان لأهل السماء، اذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فاذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض)([13]).
وقد اكتشف العلم الحديث الكثير من هذه الوظائف للنجوم من حيث حفظ التوازن في الكون وصدّ الشهب الثاقبة ومعرفة موقع واتجاه الحركة في الكون ونحو ذلك.
واخرج الحاكم عن ابن عباس، قال:قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ــ فلو لم يستهدوا بالنجوم فأنهم يتيهون في البحار ويغرقون ــ، وأهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف فاذا خالفها قبيله من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس)([14]).
وقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله (يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد) ([15]) وروى البرقي في المحاسن (فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)([16]).
عن معاوية بن وهب قال (سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) قال:قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (ان لله عند كل بدعة تكون بعدي ويُكاد بها الايمان ولياً من أهل بيتي موكلاً به يذبّ عنه، ينطق بالهام من الله ويعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين ويعبر عن الضعف فاعتبروا يا اولي الابصار وتوكلوا على الله)([17]).
ونستشعر هذا الأمان من خلال ولايتنا لأهل البيت (عليهم السلام) ووجود امام معصوم يتابع شؤوننا (نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء)([18]) .
ويمكن أن نأخذ تصوراً عن هذا الدور المهم للأئمة المعصومين (عليهم السلام) من خلال التجربة والمعايشة للدور المبارك الذي تؤديه المرجعية الرشيدة في حفظ كيان الأمة وحمايتها وتحصينها من الانحراف والضلال والمؤامرات الخبيثة التي تحاك لها، وخذ العراق مثلاً فان الفتن التي تعرّض لها والمكائد الخبيثة والمشاريع الشيطانية التي أغرقته في بحور من الدماء والفساد والشبهات والصراعات الا أنه بقي صامداً محافظاً على مبادئه بدرجة كبيرة بينما تنهار الدول والحكومات بأقل من ذلك بكثير.
ومن مجموع هذه الوظائف العظيمة للنجوم فانه لا يمكن الاستغناء عن وجودها لذا فان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا يمكن التخلف والاعراض عنهم او اتباع غيرهم بدلاً عنهم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) من هذه الأمة أحد ولا يُسَّوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا)([19]). لكن بعض المنحرفين عن أهل البيت (عليهم السلام) وضعوا حديثاً لخلط الأمور وتضييع الحقيقة على الناس وافتروا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قوله (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وهم يعلمون باليقين أن كثيراً من هؤلاء الأصحاب ارتكبوا الجرائم والموبقات الكبيرة وبدّلوا دين الله تعالى وحرّفوا أحكامه وقتلوا أولياء الله تعالى فكيف يُهتدى بهم.
نعم وجدت في بعض مصادرنا ان الحديث مروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لكنهّ فسَّر الاصحاب بأهل بيته (عليهم السلام)، فقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسند معتبر عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) قال:قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):ما وجدتم في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله عز وجل وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها اخذ اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. فقيل:يا رسول الله ومن أصحابك؟ قال:أهل بيتي([20]).
نسأل الله تعالى أن يهدينا بنورهم ويزينَّنا بولايتهم ويحصنَّنا بأمانهم في الدنيا والآخرة.
([1]) حيث استطاع يوهانس كبلر (1571 – 1630) وصف حركتها بمعادلة رياضية ثـم علل إسحاق نيوتن (1642 – 1727) حركتها بمحصلة قوى الاستمرارية والجاذبية.
([2]) مجمع البيان: 9/287
([3]) كاختلاف التضاريس الأرضية من جبال وسهول وأنهار لذا كانوا يتيهون في الصحراء لعدم وجود علامات مميزة
([4]) تفسير القمي:1/211
([5]) الكافي: ج 1 / 160 ح 1 وتجد مجموعة الروايات في البرهان: 5/328
([6]) فضائل الصحابة: أحمد بن حنبل: 2/785
([7]) نهج البلاغة: خطب الامام علي، ج 1 / ص 193
([8]) موسوعة المصطفى والعترة للشاكري: 4 / 362 عن عوالم المعارف:11/228
([9]) الاحتجاج: 2/272.
([10]) بشارة الإسلام، أبو جعفر الطبري: 2/104
([11]) تذكرة خواص الأمة:46
([12]) الكافي: 1 / 144
([13]) امالي ابن الشيخ: 241.
([14]) المستدرك على الصحيحين: 3/162
([15]) وسائل الشيعة (آل البيت): 27/150/ح43
([16]) بحار الأنوار: 2/92
([17]) الكافي:1/54
([18]) الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج 2، ص 323
([19]) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام) ج ١ - ص ٣٠.
([20]) معاني الاخبار ص١٥٦-١٥٧.