القبس /105(ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ) سورة المؤمنون:96

| |عدد القراءات : 92
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ)

من أخلاق الإسلام التي حثّت عليها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة العفو والصفح عمّن اساء اليك وظلمك وجرح مشاعرك وأن تقابل هذه السيئة بالحسنة، وقد بلغت الآيات بالعشرات والأحاديث بالمئات، ومنها قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34-35) وقال تعالى (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) (الرعد:22) وقال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (المؤمنون:96).

وتصرح الآية الأولى أن من ثمرات هذا الخلق الكريم راحة النفس وصفاء البال وانتشار المودة والمحبة بين الناس بحيث نستطيع تحويل العدو إلى صديق حميم بهذه الاخلاق.

وقد جعلته الآية الثانية علامة مميزة لأولي الالباب الذين لهم مقام محمود عند الله تعالى.

ولما ابتعد المجتمع الإسلامي عن هذه الاخلاق رجع امره الى التشتت والتنازع والفرقة والاختلاف إلى حد الاقتتال وازهاق الأرواح، فان هذه النزاعات كان يمكن نزع فتيلها والقضاء عليها من أول الأمر بالعفو عن الإساءة ومقابلة السيئة بالحسنة.

إن هذه الاخلاق الإسلامية هي أساس ما يعرف اليوم بعلم التنمية البشرية وعلم الانثروبولوجي وفن العلاقات الإنسانية.

وفي الحقيقة فأن عنوان مقابلة السيئة بالحسنة له مظاهر عديدة في العلاقات الاجتماعية، ويتحلل إلى اشكال عديدة من السلوك الإنساني، ففي كتاب الكافي بسند صحيح عن الامام الصادق (عليه السلام) (قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في خطبته الا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من اساء اليك وإعطاء من حرمك)([1]).

فهذه الأنماط الأربعة من السلوك كلها داخلة تحت هذا العنوان، وفي الكافي أيضاً بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال (سمعته يقول اذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم ينادي منادٍ أين أهل الفضل قال فيقوم عنق ــ أي جماعة ــ من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون وما كان فضلكم فيقولون كنّا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا قال:فيقال لهم:صدقتم ادخلوا الجنة)([2]).

تصوروا أي منزلة رفيعة يحظى بها أهل هذا الخلق الكريم حيث ينادون من بين مليارات البشر من الأولين والآخرين ثم يكرمّون امام الملأ العام الواسع بما يسرّهم وفي ذلك اعلان عن أهمية هذا الخُلق.

قد تقول ان الآخر لا يفهم هذه الاخلاق ولا يتجاوب معها مما يدفعني إلى مقاطعته، لكن الامام الباقر (عليه السلام) يحمِّل المظلوم مسؤولية القطيعة كما يحمّلها الظالم في تأكيد عجيب على هذه الاخلاق، روي عن الامام الباقر (عليه السلام) (ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث ــ أي ثلاثة أيام ــ الا وبرئت منهما في الثالثة فيقل له:يا بن رسول الله، هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقالّ:ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول:انا الظالم حتى يصطلحا)([3]).

إن حمل النفس على هذه الاخلاق يتطلب شجاعة ومجاهدة للنفس عظيمة وهذا مما لا ريب فيه لذا سُمي (الجهاد الأكبر) ولكنه مع العزم والتوكل على الله تعالى والوعي بعواقب الأمور ييسّر الأمر، ومن الأمور التي تستحضرها لتقوّي عزيمتك ما رواه الامام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (قال عيسى بن مريم ليحيى بن زكريا (عليهما السلام) اذا قيل فيك ما فيك فاعلم أنه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه وإن قيل فيك ما ليس فيك فاعلم انه حسنة كتبت لك لم تتعب فيها)([4]). لأن الأمر لا يخلو من أحدى الحالتين وفي كلتيهما يكون الخير لك.

وان كان المفروض بنا كمسلمين أن نسلِّم لما يريده الله تعالى فوراً بلا كلام وعدم الاحتياج إلى مزيد من الكلام لتحصيل القناعة بما يريده الله تعالى.

ويتأكد هذا الخُلق بين الاقرباء والارحام، عن عبدالله بن سنان قال (قلت لأبي عبدالله (عليه السلام):إن لي ابن عم أصله فيقطعني، حتى هممت لقطيعته إياي أن اقطعه قال:إنك اذا وصلته وقطعك وصلكما الله جميعاً وإن قطعته وقطعك قطعكما الله جميعاً)([5]).

وعن الامام الصادق (عليه السلام) وقد جاءه رجل يشكو اقاربه فقال (عليه السلام) (اكظم غيضك وافعل، فقال:انهم يفعلون ويفعلون، فقال:أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله اليك)([6]).

وتبيّن الرواية التالية النكال والعقوبة القاسية التي تحلّ بمن يقابل الحسنة بالسيئة من ذوي الارحام فقد روى الكشي([7]) في رجاله بسنده عن علي بن جعفر بن محمد أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) شاء ان يستأذن عمه ابا الحسن موسى (عليه السلام) في الخروج إلى العراق قال:فأذن له، فقام محمد بن إسماعيل فقال:يا عم أحب أن توصيني، فقال:اوصيك أن تتقي الله في دمي ــ أي لا تنقل إلى هارون العباسي كلاماً عني يؤدي إلى قتلي ــ فقال:لعن الله من يسعى في دمك، ثم قال:يا عم أوصني، فقال:اوصيك أن تتقي الله في دمي، قال:ثم ناوله أبو الحسن (عليه السلام) صرة فيها مائة وخمسون دينارا، فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده; فقلت له في ذلك:ولاستكثرته، فقال:هذا ليكون أوكد لحجتي عليه إذا قطعني ووصلته، ثم ذكر انه سعى بعمه الى الرشيد وانه يدعي الخلافة ويجيء له الخراج، فامر له بمئة الف درهم ومات في تلك الليلة.

فاذا أردنا صفاء البال وراحة النفس والسعادة وبناء المجتمع المتماسك المتحد المتحابب في الدنيا وضمان الفوز بالدرجات الرفيعة في الاخرة فلنلتزم بهذه الاخلاق الكريمة.



([1]) أصول الكافي: 2/107 باب العفو ح 1

([2]) أصول الكافي: 2/107 باب العفو ح 2

([3]) بحار الأنوار:75/188 ح 10.

([4]) أمالي الصدوق:414، المجلسي 77 ح 8 .

([5]) الوسائل: 15 / 247 عن أصول الكافي.

([6]) الوسائل 8/393 عن أصول الكافي/469 .

([7]) اختيار معرفة الرجال- الشيخ الطوسي: 2/540