القبس/176(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا1وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) سورة الشمس:1-2 - وجه تشبيه النبي (ص) والائمة المعصومين (ع) بالشمس

| |عدد القراءات : 403
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا1وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)

موضوع القبس: وجه تشبيه النبي (صلى الله عليه واله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) بالشمس

قسم من الله تبارك وتعالى بالشمس وفي حديث عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: (ان لله عز وجل ان يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه ان يقسموا الا به)([1])وفي القَسّم بالشمس إلفات نظر الناس الى عظمة خلقتها وجميل منافعها بحيث ان حياة الانسان والحيوان والنبات قائمة بها كما هو واضح، لكن الانسان يغفل عن النعم التي يألفها وتتكرر عليه.

 وفي شروق الشمس وغروبها وحركتها وحركة الكواكب والاقمار آيات ومعاجز لذوي العقول والبصائر، روى الشيخ الصدوق بسنده عن الامام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) (الإسراء:72) قال (عليه السلام): (من لم يدلّه خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على ان وراء ذلك امراً اعظم منه فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلاً).([2])

والقمر يتلو الشمس أي يتبعها سواء في حركته او في اضائته اذ انه لا يؤثر الا بعد ان تغيب الشمس وهو يستقي نوره منها، لذا ورد التعبير عن الشمس بالضياء والقمر بالنور (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) (يونس:5)، وقيل في وجه ذلك: إن الضوء ما كان ذاتياً وبالاصالة، اما النور فيشمل ما ينعكس عن غيره، والقمر يعكس نور الشمس.

وما نريد ان نعرضه في هذا القبس التفسير المعنوي للشمس والقمر فقد روى علي بن إبراهيم في تفسيره، والكليني في روضة الكافي باسنادهما عن ابي بصير عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (سألته عن قول الله عز وجل والشمس وضحاها، قال: الشمس رسول الله (صلى الله عليه واله) أوضح الله به للناس دينهم قلت: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) قال ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) قلت: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) قال: ذلك أئمة الجور الذين استبدوا للامر دون آل رسول الله (صلى الله عليه واله) وجلسوا مجلسا كان آل رسول الله (صلى الله عليه واله) أولى به منهم، فغشوا دين رسول الله (صلى الله عليه واله) بالظلم والجور وهو قوله: والليل إذا يغشاها، قال: يغشى ظلمهم ضوء النهار، قلت: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) قال: ذلك الامام من ذرية فاطمة (عليها السلام) يسئل عن دين رسول الله فيجلى لمن يسأله، فحكى الله قوله: والنهار إذا جلاها) ([3]).

وروى مجاهد عن ابن عباس قال:(قال رسول الله (صلى الله عليه واله) مثلي فيكم مثل الشمس، ومثل علي مثل القمر، فاذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر).([4])

وهو واضح لان ما عند امير المؤمنين (عليه السلام) اخذه من رسول الله (صلى الله عليه واله)، قال: (عليه السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه واله) علمني الف باب من الحلال والحرام مما كان الى يوم القيامة كل باب منها يفتح الف باب فذلك الف الف باب حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب).([5]) وهو خليفة رسول الله (صلى الله عليه واله) ويتلوه في امامة الامة وقيادتها وهدايتها.

فاذا قيس امير المؤمنين (عليه السلام) الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فهو قمر يتلو الشمس، واذا نُظِر اليه بلحاظ المخلوقين فهو شمس يستضيئون بنوره قال (عليه السلام) (الا وان لكل مأموم امام يقتدي به ويستضيئ بنور علمه)([6]).

وهكذا الائمة المعصومون (عليهم السلام) من اهل البيت رسول الله (صلى الله عليه واله) فهم أقمار يتلقون معارفهم من رسول الله (صلى الله عليه واله) وهم شموس للبشرية جميعاً، لذا ورد وصفهم(عليهم السلام) بالنجوم في الروايات والنجوم شموس بعيدة عنّا فنراها صغيرة، ورد في تفسير قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا) (الأنعام:97)، عن علي بن إبراهيم ان (النجوم: آل محمد)([7]).

ووردت عدة روايات بهذا المعنى في تفسير([8]) قوله تعالى (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل:16) منها عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (رسول الله(صلى الله عليه واله) النجم، والعلامات هم الائمة (عليهم السلام) بهم يهتدون)([9]).

وقد وصفت الروايات الامام المهدي (عليه السلام) وغيبته بالشمس اذا جلّلها السحاب، ففي اكمال الدين للصدوق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إنّه ذكر الإمام القائم في حديث وقال (ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان، قال جابر: فقلتُ له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه واله وسلم): أي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب).([10]).

وفي الأمالي للصدوق بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لم تخلو الأرض منذ خلق الله تعالى آدم من حجة لله فيها ظاهرٌ مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ولولاهُ لم يُعبد الله، فقلتُ للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب). ([11])

وفي الاحتجاج ورد توقيع من الناحية المقدسة على يد السفير محمد بن عثمان وفيه (وأما الانتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم). ([12])

أقول: في هذه الروايات تشبيهان، أحدهما تشبيهُ الإمام بالشمس، والآخر تشبيه غيبته (عليه السلام) بالشمس إذا غطّاها السحاب، ونريد الآن أن نبيّن وجوهاً لفهم تشبيه النبي (صلى الله عليه واله) والمعصومين (عليهم السلام) من اهل بيته بالشمس وهم أئمة الخلق وقادتهم وسادتهم مما يوفّق الله تعالى له، ونؤجل وجوه التشبيه الثاني الى الملحق.

ولتشبيه الامام بمعناه العام الشامل للنبي (صلى الله عليه واله) والائمة من آله بالشمس عدة وجوه:

1-  إنّ الشمس أصل الحياة وبدونها تنعدم الموجودات وهي الواسطة لإفاضة الحياة على الموجودات، وهكذا الإمام علة الوجود وواسطة الفيض الإلهي على جميع الموجودات وهم علة الوجود ولأجلهم خلق، ولولاه ساخت الأرض بأهلها كما في الحديث الشريف وفي دعاء العديلة (ببقائه بقيت الدنيا وبيمينه رُزق الورى، وبوجوده ثبتت الارض والسماء)([13]).

2-  ولأن الشمس أصل الحياة فقد وُجدت قبل أي شيء آخر، وكذلك نور محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وجدوا قبل الخلق، روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله (الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق)([14]).

3-  إن الشمس مصدر النور وهي التي تنير الأشياء وتجعلها منظورة بالعين ويمكن التعرّف عليها ولولا هذا النور لما أمكن التعرّف على الشيء، وكذلك الإمام هو مصدر المعارف الإلهية والعلوم ولولا تأصيلات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لما أمكن الاهتداء إلى شيء منها، وما يؤخذ عن غيرهم فهو زخرف من القول.

4-  ان نفع الشمس عام لا تمنعه عن شيء من الموجودات، وهم (صلوات الله عليهم اجمعين)  كالشمس في عموم نفعهم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء:107) وإنما لا ينتفع بهم من أراد لنفسه أن يكون أعمى لا يستفيد من نور الشمس، في الخصال من حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أشدّ العمى من عمي عن فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا إلاّ أنّا دعونا إلى الحق ودعاهُ من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهما ونصب البراءة منّا والعداوة لنا) ([15]).

وروى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسند صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء:72)، قال (عليه السلام): (من لم يدلّه خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر، والآيات العجيبات على أنّ وراء ذلك أمر أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً). ([16])

5-  إن الشمس من المطهرات –كما هو الصحيح- فهي تطهّر من النجاسة المادية، فكذلك ولاية الإمام المعصوم وحبّه واتباعه من المطهّرات المعنوية فبها تقبل الأعمال وتكفّر الذنوب وفي ذلك أحاديث كثيرة، لأنها من أعظم الحسنات والقربات إلى الله تعالى، والآية الشريفة تقول (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود:114).

6-  ان أي شيء يقترب من الشمس يصلى بحرارتها ويحترق تدريجيا حتى يفنى في نورها، وكذلك من يتقرب من اهل البيت (عليهم السلام) بطاعتهم وحبّهم والسير على هديهم يفنى فيهم وتذوب انانيته ونفسه الامارة بالسوء (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (إبراهيم:36) وفي الحديث النبوي الشريف (سلمان مّنا اهل البيت) ([17]) .

7-  كما أنّ الناس متفاوتون في الاستفادة من نور الشمس فبعضهم يمنعها من الدخول إلى داره فيغلق الأستار والنوافذ ولا يستفيد من ضوء الشمس، وبعضهم يفتح منافذ بسيطة للإنارة والآخر يملأ داره بالفتحات والآخر يستفيد منها في الزراعة وآخر لتوليد الطاقة الشمسية، فكذلك نور الهداية المتصلة بالمعصومين (عليهم السلام) التي تركوها لنا من خلال أحاديثهم الشريفة، تتفاوت الناس في الاستفادة منها والعمل بها، فربّما أغلق البعض نوافذ قلبه وعقله لمنع نور الهداية من دخولهما، بينما فتح آخر كلّ حواسه ومنافذه الظاهرية والباطنية لتلقي هذه العلوم والمعارف والكمالات اللاّمحدودة بإذن الله تعالى.



([1]) الكافي: 7/ 449

([2]) التوحيد: 455 باب 67 النهي عن الجدال والمراء في الله عز وجل،ح6

([3]) روضة الكافي: 8/ 50، ح12 ، تفسير القمي: 2/424، البرهان في تفسير القران: 10:170/ ح1، نور الثقلين: 5/352،ح3

([4]) البرهان في تفسير القران: 10/170/ح4 عن تأويل الايات: 2/806/ح5

([5]) الخصال: 481

([6]) نهج البلاغة

([7]) تفسير القمي: 1/211

([8]) (راجع: القبس/78, {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل:16), من نور القرآن: 3/5

([9]) الكافي: 1/160/ح1 وتجد مجموعة الروايات في البرهان:5/328

([10]) كمال الدين: 1/241 باب: نص الله تعالى على القائم، ح3.

([11])نقلتهما بواسطة بحار الأنوار: 52/92 .

(1) نقلتهما بواسطة بحار الأنوار: 52/93

([13]) مفاتيح الجنان: 128

([14]) كمال الدين: 1/16.

([15]) الخصال: 474.

([16]) التوحيد: 455 باب 67 النهي عن الجدال والمراء في الله عز وجل، ح6.

([17]) رواه الحاكم في المستدرك (3/598) ، والطبراني (6/261) .