خطاب المرحلة (641)الحرمة الشديدة لسفك الدماء في الإسلام

| |عدد القراءات : 36
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الحرمة الشديدة لسفك الدماء في الإسلام

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

للإنسان قيمة كبرى في الشريعة الإسلامية فهو خليفة الله تعالى في أرضه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة:30) واستحق بذلك التكريم من الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء:70) وجعل للنفس الإنسانية حرمة كبيرة تفوق حرمة الكعبة، ففي الحديث الشريف عن أبي جعفر الباقر (A) أنه أقبل إلى الكعبة وقال: (الحمد لله الذي كرّمك وشرّفك وعظّمك، وجعلك مثابة للناس وأمناً، والله، لحَرمةُ المؤمن أعظم حرمة منك)([1])، وفي صحيحة أبي حمزة عن الامام الباقر أو الصادق (^) أن رسول الله (9) قال في حادثة قتل وقعت وقيِّدت ضد مجهول كما اليوم حيث لم يُعرف القاتل: (قتيل بين المسلمين لا يُدرى من قتله! والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء والأرض شرِكوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكَبَّهم الله على مناخرهم في النار، أو قال: على وجوههم)([2]). فقتل الإنسان لأخيه الإنسان خروج عن زيّ العبودية لله تعالى ومنازعة له سبحانه في سلطانه، لأن الله تعالى خالق الإنسان ومالكه وهو وحده مَن له حقّ التصرف فيه.

ووقف رسول الله (9) بمنى حين قضى مناسكه في حجة الوداع أمام عشرات الآلاف من المسلمين ليبلّغهم هذه الرسالة ولينزع من نفوسهم استخفاف الجاهلية -أي جاهلية لا تعمل بأحكام الإسلام- بحرمة الدماء وامتهان القتل فقال (9): (أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا اليوم، فقال: فأي شهر أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا الشهر، قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفاراً)([3]).

ولبيان هول هذا الأمر فقد جُعل الاعتداء على الفرد الواحد اعتداءً على الإنسانية جميعاً (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32).

لذا غلّظت الشريعة الإسلامية العقوبات على إزهاق النفس، فمن قتل متعمداً فلولي الدم أي ذوي المجني عليه الاقتصاص من القاتل لأن مثل هذه العقوبة تردع من يفكّر بالعدوان على الآخرين وتدع الناس يعيشون حياتهم بأمن وسلام (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 179).

وأوجب الشارع المقدس دفع مال كثير يسمّى (الدية) لذوي المجني عليه إذا كان القتل خطأً محضاً أو خطأ شبيهاً بالعمد، لكي لا يذهب الدم المحترم شرعاً هدراً حتى لو وقع القتل خطأً محضاً.

ولكي يتجنب الناس أي فعل يمكن أن يؤدي إلى القتل أو الإضرار بالآخرين حتى ولو خطأً، وفي دفع الدية تطييب لخواطر ذوي المجني عليه وغلق باب الانتقام والثأر والانجرار إلى القتل المتبادل، ولذا سميت الدية (عقلاً) لأنها تعقل أي تمنع من وقوع الدم وتحمي المجتمع من التجري على الدماء قبل الحادث باجتناب الأسباب وتمنع استمرارها بعد وقوعه.

في ضوء كل هذا فأن ما نشهده اليوم من استخفاف بالدماء ووقوع حوادث القتل والاغتيال المتكررة لمجرد اختلاف في المواقف أو وجهات النظر أو الخلاف على أمر معين أو لصراع سياسي أو عشائري أو طائفي أو قومي أو جغرافي وغير ذلك هو من أفظع الحرمات وأشدّها إغضاباً لله تعالى وأجلبها لسخطه سبحانه.

فعلى أهل الحكمة والعقل بذل الجهود الجبارة لإصلاح الحال وحماية المجتمع من أي فعل شنيع والله ولي التوفيق.

محمد اليعقوبي/ النجف الأشرف

18 محرّم الحرام 1442

7/9/2020



 ([1]) مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي: 9/46، باب 105.

([2]) الكافي: 7/272، باب 172، ح8. ط. دار الكتب الإسلامية.

([3]) وسائل الشيعة: 29/10، أبواب القصاص في النفس، باب 1، ح3.