خطاب المرحلة (645)(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) دعوة الى التأسي برسول الله (ص)

| |عدد القراءات : 31
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب:21

دعوة الى التأسي برسول الله (9)([1])

الاسوة بمعنى القدوة الذي يُتبَّع في الأقوال والأفعال والصفات الشخصية، فالأسوة لك هو من لك به اقتداء والأسوة من الاتسّاء كالقدوة من الاقتداء فهو اسم وضع موضع المصدر على وزنُ فعله كاللُقمة والأُكلة حيث تقال لما يُفعل به فالأسوة ما يؤتسى به وأصلها (أسو) بمعنى المداواة والإصلاح لذا يوصف الطبيب بأنه (آسي)، ويصلح به من الأفعال والصفات.

والآية وإن كانت بصيغة الأخبار الا انها تتضمن الدعوة والالزام بالتأسي برسول الله (o) في أقواله وأفعاله وغاياته وأهدافه وصفاته وملكاته لأن الانسان لابد له من أسوة وقدوة ليتعلم منه ويأخذ عنه، قال أمير المؤمنين (A) (الا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه)([2]) فعليه أن يتحقق من كون الأسوة حسنة صالحة ليتبعها قال رسول الله (9)(إن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم)([3]). وتضيف الآية بأنه لا يستجيب لهذه الدعوة ولا ينتفع بها الا من وثق بالله تعالى وما عنده من الثواب الجزيل وخاف الآخرة وحرص على جلب الخير والسعادة والكمال والفوز في الآخرة لنفسه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب :21).

ومن الطبيعي أن يختار الله تعالى لنا رسوله الكريم (o) ليكون الأسوة الحسنة لنا لأنه أكمل الخلق وأرقى نماذج الإنسانية وقد اجتمعت فيه كل صفات الكمال، وكيف لا يكون كذلك وقد تولى الله تعالى صنعه وتربيته وتأديبه بحسب الحديث الشريف (أدبني ربي فأحسن تأديبي)([4])، ومن بعده الائمة المعصومون (^) من اهل بيته، قال (9) (من سره أن يحيى حياتي، ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها الله فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما)([5])، وعنه (o) قال في بيان منزلة الائمة (^) ( هم أبواب العلم في امتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هدي الى صراط مستقيم، لم يهب الله عز وجل محبتهم لعبد الا ادخله الجنة)([6]).

وبذلك يكون اتخاذ رسول الله (o) أسوة حسنة طريقاً لتطبيق الآية (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل : 60) فقد صنعه الله تعالى ليكون وسيلة تحقيق هذا الغرض فهو كتاب الله الناطق، وروي عن احدى أزواجه انها سئلت عن أوصافه فاختصرت الجواب قائلة (كان خلقه القرآن)([7]) .

فالتأسي به (9) اتباع للقران الكريم، قال (9)(الا واني تارك فيكم الثقلين: احدهما كتاب الله عز وجل، هو الحبل الى الله، ومن تبعه كان على هدى، ومن تركه كان على الضلالة) فاصل ما يُتأسى به القران الكريم وسنة رسول الله(9) فهما صنوان لا يفترقان([8]).

وكما ان القرآن شفاء وهدى ورحمة ونور وبيان وذكر ومبارك وحكيم ونحو ذلك مما ذكره القران الكريم فان رسول الله (o) كذلك، وان القرآن وصف نفسه بأن فيه (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل : 89) و (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام : 38) فكذلك رسول الله (o) سفر واسع يجد فيه التواقون الى الكمال وطالبو السعادة والفلاح والنجاة كل ما يريدون.

 أن التأسي يعني جعل حياة الأسوة الحسنة معياراً وميزاناً لسلوك المتأسي وصفاته ويجعلها فرقاناً في حياته يميزّ به بين ما يصح فعله وما لا يصح، ويسعى المتأسي الى ان يكون مثالاً ونسخة من الاسوة.

وصّور امير المؤمنين(A) اكمل صور التأسي برسول الله (o) قال (A) (وقد كنت أتبعَهُ إتباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه عَلَما، ويأمرني بالاقتداء به)([9])

إن تقديم النبي (o) كأسوة حسنة يتطلب دراسة سيرته المباركة وتحليلها وعدم الاكتفاء بالسرد التاريخي والروائي لتشخيص جوانب التأسي سواء على صعيد حياته الشخصية وملكاته وصفاته الذاتية أو على صعيد منهجه في سياسة الأمة ورعاية شؤونها وقد قمتُ بمحاولة في هذا المجال وطبعت في كتاب (الأسوة الحسنة).

وبالعودة إلى الآية الكريمة محل البحث نقول انها وقعت في سياق الحديث عن معركة الأحزاب وما رافقها من أهوال وكوارث ومخاوف حتى قال تعالى (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب : 10 - 11) لكن اقتحام النبي (o) بنفسه الشريفة ميدان العمل فيضرب بالمعول هنا ليحفر الخندق، ويحمل التراب هناك، ويشارك المجاهدين في اهازيجهم واشعارهم الحماسية، رفع من الروح المعنوية لهم وسكب عليهم الطمأنينة حتى أنه (o) كان أحياناً يلاطفهم ويرطب الأجواء فهو (o) أسوة في شجاعته([10]) وثباته وتواضعه وصدقه وتسليمه وعمله الدؤوب وحسن تخطيطه وتفانيه في سبيل الحق وغير ذلك مما افرزته سيرته المباركة والصبر على ذلك كله، روي عن أمير المؤمنين (A) قوله (ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عز وجل لنبيه (o) (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف : 35) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقول (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)([11]) .

ولا يصح حصر مفاد الآية في تلك الأحداث بل هي دعوة عامة (لكم) أي لجميع البشرية أن تتأسى بالنبي (o) قال امير المؤمنين (A) اقتدوا بهدي نبيّكم فإنه افضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها اهدى السنن)([12])، و(كان) هنا ليست كان الناقصة التي تعني ثبوت الوصف في زمان وارتفاعه في زمان آخر، بل هي كان التامة التي تفيد الثبات لأنه من شأنه ذلك وقد سبقتها (اللام) و (قد) لتفيد التحقق والتأكيد.

قال امير المؤمنين (A) (فتأسَّ بنبيك الأطيب الأطهر، صلى الله عليه وسلم، فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى. وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه، والمقتص لأثره.

قضم الدنيا قضما، ولم يعرها طرفا. أهضم أهل الدنيا كشحا، وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله تعالى أبغض شيئا فأبغضه، وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره.

ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقا لله تعالى ومحادة عن أمر الله تعالى)([13])

وروى في مجمع البيان قال ثعلبة بن حاطب وكان رجلاً من الأنصار للنبي (o) (ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، اما لك في رسول الله أسوة حسنة، والذي نفسي بيده لو أردتُ أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت)([14])، فلم يتأسَّ بنبيه (o) وآل أمره إلى الخسران وروي أنه المقصود بقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة : 75)

ولا شك في عدم قدرة أحد على الوصول إلى منزلة رسول الله (o) لكننا مطالبون ببذل الوسع في تحقيق الحالة قال أمير المؤمنين (A) (الا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد)([15]) وكلما حالة التأسي ارتقت منزلة المتأسي، قال رسول الله (o)(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (آل عمران : 68)

إن التأسي به (o) لا يقتصر على حياته الشخصية فنستفيد منها في حياتنا كأفراد بل على القادة أن يتاسوا به كأعظم قائد ومصلح عرفته البشرية واستطاع تأسيس خير أمة أخرجت للناس، وإن في سلوكه مع أصحابه في معركة الأحزاب درساً لكل المصلحين والقادة والزعماء والمسؤولين، وهكذا على الآباء أن يتأسوا به كأب والأزواج كزوج والأصدقاء كصديق والمربيّن كمربي والسائرين الى الكمال كأفضل خلق الله تعالى، فهو (o) طبيب آسي حقاً كما وصفه أمير المؤمنين (A) (طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَه ـ وأَحْمَى مَوَاسِمَه يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْه ـ مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وآذَانٍ صُمٍّ ـ وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ ـ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِه مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ ـ ومَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ)([16]) .

لقد ورد لفظ الأسوة الحسنة في القرآن الكريم في موضع آخر، قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا) (الممتحنة : 4) وقال تعالى بعدها (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (الممتحنة : 6) لكنها دعوة للتأسي بموقف محدد ذكرته الآية، اما الأسوة المحمدية فهي مطلقة في كل شيء، ولذا استدل بعضهم بالآية على عصمة النبي (o) لأن الله تعالى لا يدعو الى التأسي والاقتداء بأحد في كل شيء الا اذا كان معصوماً من الخطأ والزلل، وتدل بالتبع على عصمة أئمة اهل البيت (^) لان النبي (o) امر باتباعهم والاقتداء بهم كما في الاحاديث المتقدمة.

ولا يخفى ما في الآية من تعريض بكثير من المسلمين الذين كانوا جزءاً من المجتمع الإسلامي الملتصق برسول الله (o) الا أنهم لم يحسنوا التأسّي برسول الله (o) وخالفوه عن علم وعمد والشواهد كثيرة من سيرة الصحابة في حياته (o) وبعدها كصلاة التراويح التي أقاموها رغم نهي النبي (o) عن صلاة الجماعة في المستحبات([17])، وتحريم المتعة رغم إقرارهم بترخيص النبي (o) فيها([18])، والفرار من المعارك وترك النبي (o) محاطاً بالأعداء([19])، والانقلاب على الاعقاب في حياته وعند وفاته (o)، واقصاء أمير المؤمنين (A) من بعده رغم أخذه (o) البيعة منهم على ولايته بعده([20])وظلم أهل بيته (o) وغيرها.

ان وجود الأسوة الحسنة على الأرض من أعظم وسائل الاقناع برسالة الإسلام، وان كثيراً من الناس دخلوا الإسلام من دون ان يقرأوا أو يسمعوا عنه شيئاً لكنهم رأوا سيرة الأسوة الحسنة وهو النبي (o) والأئمة المعصومين (D) من أهل بيته فاقتنعوا بأحقية ما يدعون إليه.

وان تأثير رسول الله (o) في أصحابه مما شهد به اعداؤه حتى تملكهم الرعب وملأهم يأساً واحباطاً، ولنأخذ شاهداً على ذلك قول زعيم ثقيف عروة بن مسعود الثقفي لما أرسلته قريش ليستطلع خبر رسول الله (o) عندما نزل الحديبية هل يريد زيارة البيت الحرام أم قتالهم، روى ابن هشام قال (فقام من عند رسول الله (o) وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ الا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق الا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء الا أخذوه، فرجع الى قريش فقال: يا معشر قريش: اني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، واني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً، فروا رأيكم)([21]).

وهذا يبرز أهمية وجود الأسوة الحسنة في حياة الأمة، لعدم إمكان التفكيك بين الرسالة وحاملها وقد عبرّ أمير المؤمنين (A) عن هذه الملازمة بقوله (A) (اني والله ما أحثكم على طاعة الا وأسيقكم إليها ولا أنهاكم عن معصية الا واتناهى قبلكم عنها)([22]) فعلى من يتصدى لشأن من شوؤن الناس يجعله في مقام الاسوة والقدوة ان يؤهل نفسه أولا لهذا المقام، روي عن امير المؤمنين (A) قال (من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه)([23])

ولذا قالوا: ان الواعظ إذا لم يكن متعظاً فلا يؤثر في القلوب ولا يهذب النفوس، ومن وصايا الامام الحسن العسكري (A) لشيعته (اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح)([24]) ولا يجرّون المودّة إلى أئمتهم (D) الا عندما يعكسون صورة الأسوة الحسنة في حياتهم وقد بيّن الامام (A) ذلك في نفس الوصية فقال (A) (فان الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك).

 وفي ضوء هذه الملازمة نفهم خطورة وجود القدوة السيئة والمنحرفة، قال امير المؤمنين (A) (ولا يجنح بكم الغي فتضلوا عن سبيل الله باتباع أولئك الذين ضلوا وأضلوا)([25]) قال الله تعالى (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا*رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب :67- 68)

خصوصاً التي تحمل عنوان الاسلام وتدّعي العمل به كالمجاميع الإرهابية واجندات التعصب والتكفير والعنصرية فان خطرها عظيم على الإسلام وينفر الناس من الشريعة الإلهية السمحاء، وقد اتخذ اعداء الإسلام هذا الاسلوب لمحاربة الاسلام ومحاصرته من خلال صناعة مثل هذه النسخ الضالة المنحرفة، وخلق ما يعرف بالإسلام فوبيا أي الخوف من الإسلام، من كتاب امير المؤمنين (A) الى معاوية( لبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم)([26]).

 ان الأسوة الحسنة قد لا يحتاج إلى الكلام مع الناس ليصلحهم ويهديهم وإنما يؤثر فيهم بسلوكه وأخلاقه وقد حثّ الأئمة (D) على ذلك بقولهم (كونوا لنا دعاة صامتين)([27]) و(كونوا لنا دعاة بأفعالكم لا بأقوالكم) وهكذا أثر أهل البيت (D) في الأمة بحيث تكفي دقائق من اللقاء بهم أو الاطلاع على سيرتهم والاستماع إلى حديثهم لانقلاب العدو الحاقد إلى صديق حميم وهو يقول (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام : 124) تصديقا لقوله تعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت : 34) والشواهد على ذلك كثيرة ومعروفة نذكر منها واحداً من حياة الامام الحسن العسكري (A)، فقد روى الشيخ المفيد في الارشاد وصاحب اعلام الورى، انه (A) قد سجن عند القائد التركي (علي بن اوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد (o) غليظاً على آل ابي طالب وقيل له افعل به وافعل ــ أي شدّد عليه وعامله بقسوة ــ قال فما اقام الا يوماً واحداً حتى وضع خدَّه له وكان لا يرفع بصره إليه اجلالاً واعظاماً وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولاً فيه)([28]) وقد عاتب العباسيون القائد التركي المتنفذ في الدولة صالح بن وصيف لعدم التضييق على الامام (A) فقال لهم صالح (ما أصنع به وقد وكلّت رجلين شر من قدرت عليه فقد صاروا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم، ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا)([29]).

ان التأسي برسول الله (o) في حياته الشخصية والاجتماعية كفيل بإحداث نقلة إصلاحية عظيمة في حياة الأمة كالتي أحدثها هو (o) حين صنع من القبائل العربية المتخلّفة الجاهلة المتناحرة المنحطّة خلقياً أمة واحدة متماسكة حضارية قادت ما لا يقل عن نصف العالم المعروف آنذاك، وصنع من افراد المسلمين افذاذاً نادرين.

إن استيعاب السيرة الحسنة للنبي (o) وتمثّلها في حياتنا ليس فقط مسؤولية فردية لتحصيل القرب من الله تبارك وتعالى ونيل الكمالات وانما هي مسؤولية اجتماعية على الأمة أن تتحرك باتجاهها في ضوء التحديات الكثيرة التي تواجهنا ومنها:

1 - تسافل العالم الى مستوى من الجاهلية انحطّ كثيراً عن الجاهليات السابقة([30]) وهو يلزمنا بانبعاث رسالي جديد في موازاتها.

2 - اننا مسؤولون عن التمهيد للدولة الكريمة المنتظرة وتعجيل الظهور الميمون، ومن متطلّباته اقناع البشرية بالإسلام المحمدي الأصيل وهو المشروع الذي ينهض به الامام (A) وأفضل وسيلة لتحصيل هذه القناعة هو تجسيد الأسوة الحسنة في حياتنا، وقد ورد عن الامام الرضا (A) قوله (فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)([31]) وقد علّمنا الامام الحجة المنتظر (A) في دعاء الافتتاح أن نقول (اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ)([32]) وهذه مرتبة عظيمة لا تنال الا بالتأسي برسول الله (o) وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

3 - إن المسلمين اليوم ضائعون ممزقون متخلفون قد استمرؤا التبعية والعبودية لاعدائهم ومن يكيد لهم فهذا متخندق مع الغرب وذاك مع الشرق حتى تحالفوا مع اعدائهم ضد اخوانهم وأحد الأسباب المهمة في بلوغهم هذا الانحطاط فقدان الأسوة الحسنة فلابد من إيجادها ليعودوا إلى حياة العزة والكرامة والانعتاق من العبودية الا لله تبارك وتعالى.

 



([1]) كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بتاريخ 13/ ربيع الأول /1442 الموافق 30/10/2020 بذكرى ولادة النبي الاكرم محمد (9)

([2]) نهج البلاغة: الخطبة 45 من كتابه الى عثمان بن حنيف

([3]) ميزان الحكمة :ج ١ / ص ١٢٤ عن البحار: ٢٣ / ٣٠ / ٤٦.

([4]) بحار الأنوار: 16/210، 68/382 ، 108 / 222

([5]) بحار الأنوار : ج ٢٣ / ص ١٣٩/ ح85

([6]) ميزان الحكمة: 1/ 116 / عن امالي الصدوق: 74/42

([7]) شرح نهج البلاغة لابن ابي حديد: 6/340

([8]) ميزان الحكمة: 1/ 115 عن صحيح مسلم: 4/1874/ ح2408

([9]) نهج البلاغة : الخطبة القاصعة رقم 192.

([10]) روي عن أمير المؤمنين (A) قوله (كنّا اذا احمّر البأس ولقي القومُ القومَ اتقينا برسول الله ص فما يكون أحد أقرب الى العدو منه) (بحار الأنوار: 16/232)

([11]) نور الثقلين: 4/535 ح 38

([12]) نهج البلاغة: خطبة 110

([13]) نهج البلاغة: خطبة 160

([14]) نور الثقلين: 4/535 ح 39

([15]) نهج البلاغة: 3/70 رقم 45 من كتابه الى عثمان بن حنيف

([16]) نهج البلاغة: الخطبة 108

([17]) أنظر: صحيح البخاري: 7/99.

([18]) أنظر: بحار الأنوار- المجلسي: 30/637- ٥٣/28.

([19]) أنظر: مسند أحمد- أحمد بن حنبل: 9/ ٢٨٢, ط. الرسالة.

([20]) أنظر: الكافي- الشيخ الكليني: 8/344.

([21]) السيرة النبوية لابن هشام: 3/201 طط دار الجيل

([22]) نهج البلاغة: 250 الخطبة 175

([23]) بحار الأنوار :ج ٢ /ص ٥٦/ ح33

([24]) تحف العقول: 361 ط. مؤسسة الأعلمي

([25]) بحار الأنوار : ج ٩٤ / ص ١١٦

([26]) نهج البلاغة: كتاب 17

([27]) مستدرك الوسائل: 1/116 ، 8/310

([28]) بحار الأنوار: 50/307 ح 4 عن الارشاد للمفيد: 2/ 329 – 330 وإعلام الورى : 2/150

([29]) بحار الأنوار: 50/308 ح 5 عن الارشاد للمفيد: 2/ 334 وإعلام الورى : 2/150- 151

([30]) راجع المقارنة بين الجاهليتين في ملحق (شكوى القران) في تفسير من نور القران: ج3/291

([31]) عيون أخبار الرضا (A) : 1/307 ، معاني الاخبار : 180

([32]) مفاتيح الجنان: دعاء الافتتاح