خطاب المرحلة (662){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} - خطط الشيطان الناعمة للوصول الى غرضه

| |عدد القراءات : 32
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (النور:21)

خطط الشيطان الناعمة للوصول الى غرضه([1])

قال الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور: 21)

الخطوة: مصدر مرة من الخطو، وهي مسافة ما بين القدمين عند السير، وجمعها خُطُوات وتقرأ بضمتين مثل غُرفة وغُرُفات، وقد حكي عن الفّراء قوله: (العرب تجمع فُعلة من الأسماء على فُعُلات نحو حُجرة وحُجُرات، فرقاً بين الاسم والنعت، النعت يُخففَّ مثل حُلوة وحُلوات)([2]), والمشي يقتضي تجاوز الموضع، فالتعدي والتجاوز من لازم المعنى وليس هو مدلول اللفظ كما في معجم مقاييس اللغة، قال (والخطأ من هذا لأنه مجاوزة حد الصواب)([3]).

واتباع الخطوات تعني اقتفاء الأثر والملازمة في السير، وكذا اتباع خطوات الشيطان يعني السير على منهجه ومتابعته والاستجابة لما يأمر به، وقد ذكرت الآية سبب النهي عن اتباع الشيطان {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ويسوق أتباعه إلى الضلال والشقاء وتعدي حدود الله تعالى والابتعاد عن طاعة الله تعالى وتكون النتيجة ما ذكره الله تعالى في قوله: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} (ص: 85).

فمنهج الشيطان هو الدفع باتجاه الوقوع في المنكر وهو كل أمر سيء يستقبحه العقل والشرع فعلاً أو قولاً، والفحشاء وهي المنكرات التي تتجاوز الحدود المقبولة على صعيد الفرد أو المجتمع خصوصاً ما يتعلق بأعراض الناس وأموالهم وأمنهم وغذائهم.

والأمر بمعنى الدعوة الى الفحشاء والمنكر بتزيينهما والتحريض عليهما وإيجاد الدوافع لهما كما تقول: نفسي تأمرني بكذا, أي تدعوني إليه، إذ من المعلوم أن الشيطان ليس له سلطة قاهرة على الإنسان ولا يستطيع إكراهه على شيء، وكل فعله الوسوسة وتحديث النفس الأمارة بالسوء وتزيين فعل الشيء والإغراء بالفحشاء والمنكر لا أزيد من ذلك، وقد حكى الله تعالى قوله لمن ضلوا بسببه {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} (إبراهيم: 22), والإنسان مخير في اتباعه أو مقاومته بتأييد الله تعالى ولطفه، وقد يُسلِّم الشقي قياده للشيطان فيُسيّره كيف يشاء {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (النحل: 100) {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} (المجادلة: 19)، وهذا ما يقوم به أعوانه من شياطين الجن والإنس فإنهم يقعدون في طريق الناس الذين يسيرون نحو الله تعالى بحسب فطرتهم فيحرفون مسيرتهم بخطوات ضالة مبعدة عن الغرض الأسمى.

والمراد بخطوات الشيطان ضلالاته التي تؤدي الى ابتعاد الإنسان عن الدين القويم والصراط المستقيم فمنهجه ومشروعه الأمر بالفحشاء والمنكر، فهو سبب كل فساد وانحراف، وهو المهيّج لكل جريمة وفعل منكر سواء كان على مستوى العقيدة أو الفكر أو السلوك.

وأضاف تعالى في آية أخرى دعوة الشيطان إلى أمر آخر غير الفحشاء والمنكر وهو {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:169), أي يدعوهم إلى الحكم بغير ما أنزل الله ونسبة أشياء إلى الشريعة وهي ليست منها.

وقد وقع هذا التحذير والنهي عن اتباع خطوات الشيطان في سياق الآيات الكريمة التي سجّلت ما يعرف بحديث الإفك وهي الاشاعة الباطلة التي مسّت عرض وشرف رسول الله (J) سيد الخلق على الاطلاق والقائد الأعلى للدولة، وهي خطوة دفع الشيطان باتجاهها لتكون بداية لخطوات على طريق نشر الفحشاء والمنكر بعد أن كسر هذا الحاجز العظيم، وكادت هذه الإشاعة أن تفتك بالمجتمع المسلم وتؤدي إلى إنهياره لولا رحمة الله تعالى ولطفه، لذا كانت بقية الآية {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (النور: 21).

وقد صور الله تعالى الحالة بأبشع صورة تهزّ الوجدان بعنف وتدفع الإنسان إلى الابتعاد عنها حيث يسير الشيطان الذي هو عدو مبين ومجمع القاذورات نحو هدفه وهو الخراب والتدمير ونشر الشقاء والهلاك ويسير خلفه جماعة متبعين خطواته مبتعدين عن منهج السعادة والكمال فأي حال أشقى من هذا، وحديث الإفك وإشاعته كان نموذجاً له.

وقد تكرر التحذير من اتباع خطوات الشيطان في عدة مواضع أخرى ووصفه الله تعالى فيها بما يوجب هذا الحذر قال تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}([4]), وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6), والعقل والفطرة يدعوان الى الحذر من العدو والفرار منه.

والذي يتأمل في هذه المواضع المتعددة من التحذير ويجد فيها بياناً لبعض منافذ الشيطان وتطبيقات لخطواته، فقد جاء النهي عن اتباع الشيطان تارة في مورد التشريعات المحرمة بغير ما أمر الله تعالى به، كما في بعض قضايا الطعام حيث جعل الله تعالى كل ما في الأرض حلالاً طيباً الا ما استثناه، لذا كان الأصل في الأشياء الحلّية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 168-169), {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (الأنعام: 142), لكن أهل الكتاب والمشركين حرموا بعض ما أحله الله تعالى وبذلك فقد جعلوا أنفسهم آلهة يشرعون من دون الله تعالى فاستنكر الله تعالى ذلك منهم وقال: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (يونس: 59), ونفى حرمة هذه الأشياء، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (المائدة: 103), كما أحلوا بعض ما حرّم الله تعالى كالربا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة:275).

وورد النهي عن اتباع خطوات الشيطان تارة أخرى في مورد التنازع والعنف قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة: 208), فالقطيعة التي تحصل بين الأخوة والتباغض والمهاترات هي من فعل الشيطان {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} (المائدة: 91).

وذكرت الروايات مصاديق لخطوات الشيطان كصحيحة منصور بن حازم في التهذيب قال: (قال لي أبو عبدالله (A): آما سمعت بطارق، ان طارقاً كان نخاساً بالمدينة فأتى أبا جعفر (A) فقال: يا أبا جعفر إني هالك إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذر، فقال له: يا طارق ان هذه من خطوات الشيطان)([5]).

وفي رواية الكافي بسند معتبر عن الامام الصادق (A) قال: (إذا حلف الرجل على شيء والذي حلف عليه اتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه، وإنما ذلك من خطوات الشيطان)([6]), وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم مثالاً على ذلك عن الامام الباقر أو الصادق (C) (أنه سُئل عن امرأة جعلت مالها هدياً وكل مملوك لها حراً إن كلمت أختها أبداً، قال: تكلمها وليس هذا بشيء إنما هذا وأشباهه من خطوات الشيطان)([7]).

ومن خطوات الشيطان الوسوسة في العبادات وخطور الأوهام والشكوك التي لا واقع لها، فقد روى في الكافي بسنده عن عبدالله بن سنان قال: (ذكرت لأبي عبد الله (A) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال: أبو عبد الله وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان)([8]).

وفي الحقيقة فان لاتباع الشيطان مراتب عديدة أوضحها ترك الواجب وفعل المحرم على مستوى العقيدة أو السلوك، ثم اقتحام الشبهات من دون تحقّق، ثم ترك المستحبات وفعل المكروهات، ولا ينتهي عند الغفلة عن الله تعالى والتعلق بما سواه من الأسباب، فان كل هذه مصاديق بمراتب متعددة لخطوات الشيطان الذي يسير نحو هدف هو الإبعاد عن طاعة الله تعالى ورضوانه {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور: 21), (ولا يخفى أن أوّل قدم منه هو رؤية النفس والتوجه إليها وتكبيرها وتجليلها، وهذا يخالف العبودية ويجرُّ الإنسان إلى أي وادٍ مظلم مضِلٍّ مهلك)([9]).

ومن الخطوات المؤثرة والحاسمة في اتباع الشيطان وعدمه هي الولاية فقد وردت روايات عديدة في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة: 208), أنهم أمروا بالدخول في ولاية أهل البيت (D)، وان اتباع خطوات الشيطان بالدخول في ولاية غير أهل البيت (D)([10]).

ولأن الإنسان في هذه الدنيا لابد له من إتباعٍ ما، وهي الحقيقة التي نبّه إليها أمير المؤمنين (A) (الا وإن لكل مأموم إماماً يقتدى به ويستضيء بنور علمه)([11]), فاذا لم يتبع المنهج الرباني الذي يدعو إليه الله تعالى والأنبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) والعلماء الأبرار العاملون، فلا شك في أنه واقع في اتباع الشيطان وجنوده والنفس الأمارة بالسوء, لأنه بين هذين الخيارين والدافعين، وهنا يسجل القرآن الكريم استغرابه ممن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير قال تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (آل عمران: 162).

ويمكن النظر الى ورود خطوات الشيطان في الآيات الكريمة على نحو الجمع باتجاه متوازي أو متوالي - اذا صح التعبير- أما التوازي فبلحاظ ان تعدد الخطوات تعني تنوع ضلالاته وشبهاته وفتنه المردية والسبل الموصلة اليها، فينقلهم من معصية إلى معصية حتى يوقعهم فيها جميعاً، لذا كانت سبل الضلال متعددة أما الصراط المستقيم فواحد، قال تعالى {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام: 153).

وأما التوالي فنقصد به إتخاذ الشيطان عدة خطوات تدريجية مترتبة للوصول إلى غرضه وعدم دعوته إلى المنكر والفحشاء مباشرة، لأن الإنسان قد يرفض مثل هذه الدعوة المباشرة للخروج عن الدين أو الفطرة السليمة ويأباها الضمير الحي اذا جاءت بشكل دفعي، وهذا مما يوجب زيادة الحذر منه, لأن الخطوة الأولى منه قد تكون مقبولة ظاهراً لدى الشخص وكذا الثانية وهو لا يعلم النتيجة التي يريد أن يوصله إليها، وهو عين ما يفعله شياطين الإنس للتغرير بضحاياهم بحرب ناعمة لا يلتفت الى بداياتها الا الفطن إلى أن تحصل الكارثة.

مثلاً يريد أن يغري شاباً وفتاة في الجامعة بعلاقة غير مشروعة فيقنعهما أولاً بتبادل المحاضرات ومساعدة أحدهما الآخر في حل المسائل العلمية وأنها علاقة بريئة بين زملاء في الدراسة، ينشأ منها حب ومودة ثم يحصل إعجاب بينهما وميل، ثم مواعيد للقاء بينهما بدون رابطة شرعية، وقد يسعيان للزواج فيلاقيان إعتراضاً من الأهل فيقرّران الهروب معاً وقد يعثر الأهل عليهما فيقتلون الفتاة غسلاً للعار بحسب العرف ويقتلون الشاب انتقاماً وتستمر الثارات، وكان بالإمكان تجنب هذه الكارثة من أول خطوة وغلق باب أي علاقة مع الجنس الآخر حتى لو كان لأمر مباح ظاهراً لأنه باب للشرور والآثام.

وكذا النزاعات العشائرية العبثية التي تخلّف قتلى ومصابين وأرامل وأيتام وعدم أمن واستقرار قد تبدأ بكلمات مزاح بين إثنين يتطور إلى بذاءه وكلمات جارحة ثم عراك شخصي ثم وعيد وتهديد واستنصار بالعشيرة وتستمر الحماقات الناتجة من اتباع خطوات الشيطان حتى تصل الى القتال وفي ذلك كلمة لأمير المؤمنين (A) عندما نهى عن بعض المكروهات خشية انتهائها إلى ارتكاب المحرمات فقد روى الشيخ الصدوق في العلل قال: (جاء رجل إلى أمير المؤمنين (A) فقال: أقبّل وأنا صائم؟ فقال (A): أعفَّ صومك، فإن بدء القتال اللطام)([12]).

إن كل ما تعانيه البشرية من كوارث وأزمات في مختلف المجالات هو نتيجة ابتعادهم عن المنهج الإلهي واتباع خطوات الشيطان فالله تعالى يدعوهم إلى الانتفاع بكل ما جعل لهم في الأرض {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (البقرة: 168), وقال تعالى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (الأنعام: 142), ثم عقبهما بقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}, فأنه يدعوكم إلى الكسل والاتكالية المنتجة للتخلف والانحطاط أو يوحي إلى اتباعه بسنِّ قوانين وضعية تعيق حركة الانتفاع هذه كإقطاع الأراضي الواسعة لذوي النفوذ وحرمان الأيدي العاملة منها، أو تركز الثروات بيد فئة قليلة تستخدم أساليب الظلم والقهر لإدامة هيمنتها وتسلطها واستئثارها وتقرر الرواتب العالية والهبات الجزيلة للمتسلطين، فارفضوا هذه القوانين الشيطانية التي تحطُّ من كرامة الإنسان وتستعبده وتحرمه من حقوقه.

وهذا واحد من الفروق بين المنهج الرباني الذي يؤسس للعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وبين المنهج الشيطاني الذي يستعبد الإنسان ويذلّه ويحقّره ويقوده إلى الهلاك.

أعاذنا الله تعالى وإياكم من مكائد شياطين الجن والإنس ومن اتباع خطواتهم.



([1]) كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم الجمعة 9/صفر/ 1443هـ- الموافق 17/ 9/ 2021م.

([2]) التحقيق للمصطفوي: 3/ 99.

([3]) معجم مقاييس اللغة: 2/ 198, مادة (خَطُوأَ).

([4]) أنظر: سورة البقرة: (الآيات: 168- 208) وسورة الأنعام: (الآية: 142).

([5]) التهذيب- الشيخ الطوسي: 8/ 287/ ح50.

([6]) الكافي- الشيخ الكليني: 7/ 443/ ح1.

([7]) تفسير العياشي: 1/ 73/ ح146.

([8]) الكافي- الشيخ الكليني: 1/ كتاب العقل/ ح11.

([9]) التحقيق في كلمات القرآن للمصطفوي: 3/ 100.

([10]) راجع الروايات في تفسير البرهان: 2/ 92.

([11]) نهج البلاغة: 3/ 70 من رسالته (A) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري واليه على البصرة.

([12]) وسائل الشيعة: 10/ 99, أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 33/ ح9 وح5 وح15.