خطاب المرحلة (667) نداء الأقصى

| |عدد القراءات : 36
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

نداء الأقصى

التقى([1]) سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه بقافلة (نداء الأقصى) التي ضمت جمعاً من علماء الدين المجاهدين من فلسطين وسوريا ولبنان من الطائفتين، الذين عزموا على إقامة موكب لهم في طريق زوار الامام الحسين (A) لحث المؤمنين على إدامة ذكر القدس وإبقاء جذوة الجهاد حيّة حتى إعادة الأراضي المغتصبة، وبعد أن عرّف الحاضرون أهداف هذه المبادرة وشرحوا معاناة الشعب الفلسطيني وصموده تحدث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بكلمة نقرر ما تيسّر منها:

نحييكم تحية الإسلام ونرحب بكم في هذا المكان المبارك بجوار فتى الإسلام أمير المؤمنين (A) بحسب نداء الروح الأمين جبرائيل في معركة أحُد (لا سيف الا ذوالفقار ولا فتى الا علي)([2]) قامع شيطنة اليهود ومكائدهم وخبثهم وقالع باب خيبر حيث كانت نهاية وجودهم في أرض الإسلام.

وفي هذا الزمان المبارك ونحن نحيي ذكرى القيام الحسيني رمز الجهاد والمقاومة ورفض الظلم والاستعباد والاستكبار والاستئثار وأسوة الثائرين الدعاة الى تحرير الانسان وكرامته ونيل حقوقه واقامة الحق والعدل.

وليس من باب الصدفة أن يكون الذي أشار على يزيد بقتل الحسين (A) هو مستشاره الصليبي سرجون (السير جون)([3]) رغم وصية أبيه معاوية بعدم التورط بدم الحسين (A)، فالإمام ذهب ضحية مؤامرة دولية نفذها حثالات من أهل الكوفة.

إنّ القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين لها مكانة خاصة في قلوب المسلمين منذ صدر الإسلام وكان أول دم اريق على طريق تحريرها هو جعفر بن ابي طالب الطيار في الجنة قائد المسلمين في معركة مؤتة في ارض الشام وتلاه الشهيدان زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة([4]).

وقد أولت المرجعية الدينية قضية فلسطين والقدس اهتماماً كبيراً منذ وقت مبكر فقد حضر المرجع الديني والمصلح الكبير المرحوم الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء بنفسه المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في القدس عام 1350هـ ـ1931م مع بدايات هجرة اليهود الى أرض فلسطين عقب وعد بلفور عام 1917م والقى خطاباً بليغاً ارتجالياً استغرق ساعتين على ما نقل، ولما حان وقت الصلاة أمَّ الحضور الحاشد من جميع الطوائف الإسلامية اعترافاً بمكانته السامية وروحه الوثابة وتأكيده على وحدة المسلمين([5])، ولما رجع الى النجف أقيمت له احتفالات واستقبل كالقادة المنتصرين وشارك جدي المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مليئة بالحماس والوعي لأصل المشكلة وكيفية حلّها مطلعها:

حيّاك يشكر سعيك الإسلامُ    وزَهت بمطلع سعدك الأيامُ

وقد سجّل فيها هذه الحادثة قائلاً:

قد قدّمُوك أمامهم بصلاتهم      عَلماً بأنك في الزمان إِمامُ([6])

وفي العام التالي قدم إلى النجف الأشرف وفد المؤتمر الإسلامي برئاسة مفتي القدس السيد أمين الحسيني وأقيمت احتفالات مهيبة أُفتتحت بقصيدة جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي ومطلعها:

يحيي الشعب والبلد الأمينُ  قدومك أيها الشهم (الأمين)([7])

قال فيها:

وموت العزِ خيرٌ من حياةٍ           يذّل المرء فيها أو يهونُ

وعندما صدر قرار تقسيم فلسطين عام 1947م وإعلان دولة إسرائيل في مايس 1948م أقيمت احتفالات الاسى والالم والرفض والدعوة الى الثورة في النجف الاشرف وكانت لجدي اليعقوبي قصائد تحمل هذه المعاني منها هذه قصيدته التي مطلعها:

مـتى  يـا شرق تبلغ ما تُريد
وجوه العيش كانت فيك بيضاً

 

وتـبدو فـي مطالعك السعودُ
فـكيف اليوم عادت وهي سودُ

ولمّا انطلق العمل الفدائي عام 1969م بعد حادثة حرق مسجد الأقصى بارك المرجع الديني الأعلى في النجف يومئذ السيد محسن الحكيم (قدس الله روحه) هذه الانطلاقة وأذن بصرف الأموال الشرعية التي يؤديها الاتباع الى المرجعية على هذه العمليات.

واستمر هذا التفاعل مع الأحداث وكانت الساحة اللبنانية مسرحاً للتعاون الفعلي المشترك بين أبناء الإسلام من العراق وإيران وسوريا وفلسطين.

وكانت المرجعية الدينية تدعو دائما الى اتخاذ خيار الإسلام في المواجهة لأن العدو يخوض الحرب بناءً على عقيدة يحملها ويضحي من اجلها، فلابد من مواجهته بالعقيدة، وهو نفس الموقف الذي اتخذناه عندما استطاع ارهابيو داعش ومن ساندهم من السيطرة على بعض المدن العراقية عام 2014م حيث اعلنا مباشرة عن ضرورة تشكيل جيش عقائدي بقيادات مؤمنة مخلصة كفوءة يكون رديفاً للجيش النظامي لمواجهة الإرهاب التكفيري، وانبثقت بعده فكرة الحشد الشعبي([8]).

ورغم تأكيد المرجعية الدينية منذ عشرات السنين على ضرورة جعل القضية الفلسطينية إسلامية، الا أنّ الأنظمة الحاكمة وانطلاقاً من الأجندات التي تؤمن بها وتحركها رفعت شعارات القومية العربية التي لم تكن دافعاً كافياً للتضحية مالم تقترن بعقيدة الإسلام، وبذلك عزلوا شعوب المسلمين كافة عن الصراع وأوهموهم ان القضية الفلسطينية لا تعنيكم وانها عربية خالصة.

وهكذا حصل في حرب 1973م فقد كنّا نسميها في حينها حرب 10 رمضان لأنها انطلقت بصيحات الله أكبر من حناجر المؤمنين الصائمين في ذلك اليوم وتحقق الانتصار في بداية المعركة بفعل هذه الحركة المخلصة، لكنهم أخفوا هذا الجانب وسموها حرب 6 أكتوبر لتضيع معالمها الروحية.

وقد تغيرت المعادلة عام 1987م عندما تبنّى المجاهدون خيار الإسلام وانطلقت حركة المقاومة الإسلامية فازدادت قوة الى قوتها وهي التي ذكرها الله تعالى بقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (الأنفال: 65), ويعللها تبارك وتعالى بقوله في نهاية الآية {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}, فالزخم الايماني الذي تمتلكونه يضاعف قوتكم عشرة اضعاف لأن عندكم معرفة وايمان وإخلاص لله تعالى وهم فارغون من هذه القيم الروحية ومتكلون على قوتهم المادية التي توهموا انها ستحميهم وتجلب لهم النصر {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} (الحشر: 2).

وهذه هي حقيقتهم التي وصفها الله تعالى بقوله {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 41).

لقد تغير ميزان القوى وحصل توازن في الرعب والردع اليوم بفضل الله تبارك وتعالى لصالح المجاهدين المحتسبين فأنهم بعد ان كانوا يرجمون اعدائهم الصهاينة بالحجارة ويتلقون الرصاص بصدور عارية قذفوا في عملية سيف القدس الأخيرة الآف الصواريخ على رؤوس اعدائهم حتى أصيبت مدن الكيان الصهيوني بالشلل.

وقد اثبتت هذه المواجهة أن قضية تحرير فلسطين لازالت حيّة في قلوب وضمائر الفلسطينيين ولم تخدعهم مشاريع التطبيع والدين الابراهيمي وصفقة القرن وأمثالها وكانت مشاركة من يعرفون بـ(فلسطينيي الداخل) أي في الأراضي المحتلة عام 1948م في الانتفاضة مفاجئاً للجميع بعد ان اعتقدوا أنهم ذابوا في الكيان الصهيوني.

كما إن التعاطف العالمي مع مظلومية الفلسطينيين أثبت حقانية هذه المطالب الإنسانية للمحرومين والمظلومين.

لقد نجح الأعداء في إيجاد مشاكل محلية في كل بلد من بلدان المسلمين لأشغالهم بها عن قضاياهم المصيرية التي يجب أن يكرسوا جهودهم لها وساعدوا في وصول حكام مرفوضين من قبل شعوبهم ويرتكبون الحماقات في إدارتهم فأدّت عزلتهم هذه الى الاستعانة بالقوى المستكبرة وتنفيذ اجنداتها، فصار كل الشعب الآن يعيش همومه الخاصة.

ومضى الاستكبار الى أبعد من ذلك فأوجد عداوات مصطنعة بين بلدان المسلمين واشعل الحروب بينهم، وأوهمهم بأن لا ملجأ لهم الا التبعية للمستكبرين، فلابد أن نعي هذه المكائد الشيطانية الخبيثة، وأن نعود إلى وحدتنا ووعي أهدافنا وقضايانا، وأن نتكاتف كالبنيان المرصوص لإدامة زخم المواجهة وتحقيق الانتصار بإذن الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف:



([1]) تاريخ اللقاء: 12/ صفر/1443هـ- الموافق 20/9 /2021م.

([2]) الكافي - الشيخ الكليني: 8/110/ح90.

([3]) أنظر: الإرشاد - الشيخ المفيد: 2/42.

([4]) أنظر: تاريخ الطبري: 2/318, بحار الأنوار - العلامة المجلسي: 21/50/ باب غزوة مؤتة وما جرى بعدها.

([5]) أنظر: شعراء الغري- علي الخاقاني: 8/120.

([6]) ديوان اليعقوبي : 1/11.

([7]) ديوان اليعقوبي : 1/12.

([8]) أنظر: خطاب المرحلة: 9/33, بيان: (رُبَّ ضارة نافعة.. سقوط الموصل).