خطاب المرحلة (673)مسؤوليتنا عن حفظ الدين

| |عدد القراءات : 38
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مسؤوليتنا عن حفظ الدين([1])

اتخذ الإمام الحسن العسكري (A) عدة اجراءات تمهيداً للحالة التي ستمر بها الأمة من بعده حيث اقتضت الحكمة الإلهية غيبة ولده المهدي المنتظر (A) عن الناس، ومن تلك الاجراءات توجيه الأمة الى إتباع العلماء العاملين المخلصين، ومن أقواله (A) في هذا المجال: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه, مطيعاً لأمر مولاه, فللعوام أن يقلدوه, وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم)([2]).

أقول: محل كلامي قوله (A): (حافظاً لدينه) وقد فهم المشهور منها أن يكون الفقيه محافظاً على دينه الشخصي أي ورعه والتزامه بالشريعة وهو معنى صحيح بلا شك ولكن هذا الشرط مذكورٌ في الفقرة التالية لها كما هو واضح ولا يظهر ان الإمام (A) بصدد بيان وشرح بعض الفقرات ببعضها, والذي أفهمه ان المراد بـ(دينه) ليس دينه الشخصي بل الدين الذي يؤمن به وينتمي إليه وهو دين الإسلام نظير قول أبي الفضل العباس في رجزه يوم عاشوراء: (إني أحامي أبداً عن ديني وعن إمامٍ صادقِ اليقينِ)([3]), فانه لا يقصد دينه الشخصي بل دين الإسلام المتمثل بقائده العظيم الإمام أبي عبد الله الحسين (A) فيكون معنى الفقرة أن من شروط الفقيه الذي يرجع إليه الناس أن يبذل ما في وسعه لحفظ الدين وصيانته من التشويه والتحريف وحمايته من الاعتداء والانتهاك.

وحينئذٍ يكون هذا الشرط ضرورياً وعلى القاعدة, لأن العلماء ورثة الأنبياء والأئمة (^) كما ورد في الكافي وغيره([4]) وهم نوابهم بالنيابة العامة، والوراثة والنيابة تقتضي القيام بمسؤولياتهم ووظائفهم بحسب ما يُيسِّره الله تعالى، وماذا كانت الرسالة المشتركة لجميع الأنبياء (^)؟ إنه ما أخبر به الله تعالى بقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} (الشورى: 13) فهذا هو مشروع الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) إقامة الدين وحمايته والدفاع عنه، وقد ورد في زيارة الجامعة الكبيرة وصف الأئمة (^) بـ(الذادة الحماة)([5]) فهم يذودون عن هذا الدين ويحمونه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، ويصونون عقائدَ شيعتهم من المذاهب الباطلة، وعقولَهم من الآراء والايديولوجيات الفاسدة.

وهذا الشرط مستفاد أيضاً من أحاديث أخرى واردة عن المعصومين (^) منها:

1- قول الإمام موسى بن جعفر (A) في حديث (إن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها)([6]).

أقول: فتشبيه الفقهاء بالحصون يفيد هذا المعنى بوضوح، والدين لا يختص بالعبادات المعروفة وإنما يشمل أحكامه العامة وسياسة أمور المجتمع بما يكفل العدالة الاجتماعية ويحفظ ثوابته الأخلاقية.

2- وقول الإمام الصادق (A): (الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا)([7]).

أقول: كون الفقهاء امناء الرسل أي انهم مؤتمنون على اداء رسالة الأنبياء والقيام بوظائفهم وهي لا تختص بتبليغ الأحكام عن الله تعالى وبيانها للناس بل السعي لإقامة العدالة الاجتماعية قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25) وما يتطلبه من الوقوف في وجه الظلم والانحراف والفساد واستعادة كرامة الإنسان وحريته التي صادرها الطغاة والمستبدون.

3- رواية تحف العقول عن الإمام الحسين (A)، وقيل أنه مروي  عن أمير المؤمنين (A) وفيها: (ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه)([8]).

أحببت إلفات النظر الى هذه المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتق الحوزات العلمية بل عموم المؤمنين بحسب مواقعهم وإمكانياتهم اذ يقول الإمام الحسين (A) في نهاية خطبته الآنفة: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك - ثم يخاطب عموم الناس بقوله - فإنكم إن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم, وعملوا في إطفاء نور نبيكم وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير)([9]).

وكان للإمام السجاد (A) دعاء يدعوا به كل صباحٍ ومساء يتضمن طلب التوفيق لحياطة الإسلام أي ان نحيط به ونكون له سوراً حافظاً وحصناً واقياً، قال (A): (اللهم صلِّ على محمد وآله، ووفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا وليالينا: لاستعمال الخير، وهجران الشر، وشكر النعم، واتباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحق واعزازه، وارشاد الضال ومعاونة الضعيف)([10]).



([1]) كلمة مختصرة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة البحث الخارج يوم الإثنين 22/ جمادي الأولى / 1443هـ- الموافق 27/12/2021م.

([2]) وسائل الشيعة: 27/131, عن الاحتجاج: 457، تفسير الامام العسكري: 120.

([3]) بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 45/40.

([4]) الكافي - الشيخ الكليني: 1/34/ح1,- بحار الأنوار - العلامة المجلسي: 72/380.

([5]) مفاتيح الجنان: 623.

([6]) الكافي: 1/ كتاب فضل العلم/ باب فقه العلماء/ ح2.

([7]) نفس المصدر: 1/46/ح5.

([8]) تحف العقول: 170 ط, مؤسسة الأعلمي.

([9]) تحف العقول: ٢٣٩.

([10]) الصحيفة السجادية: 26 الدعاء السادس.