خطاب المرحلة (695)اغتنام العمر في العمل المثمر... التعليم نموذجاً

| |عدد القراءات : 28
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

اغتنام العمر في العمل المثمر... التعليم نموذجاً([1])

روى الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه الخصال عن جابر بن عبد الله قال: (قال رسول الله (J):‌ قالت أم سليمان بن داود (A) لسليمان: إياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة)([2]).

يظهر من الرواية أن أم النبي سليمان (C) كانت عارفة فاضلة مربّية وهي توصي ولدها بأن الليل وان جعل بحسب الخلقة (سباتاً) للراحة واستعادة النشاط، الا ان قضاءه كله في النوم يعني الحرمان من فرص عظيمة للطاعة، وتضييع لجزء ثمين من العمر الذي هو أنفس جوهرة وأغلاها، لأنه به تكتسب جنان عرضها السماوات والأرض يخلد فيها الإنسان بلا منغّصات، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، فمن أضاع الليل كله بالنوم وفد على الله تعالى فقيراً له سجّل قليل الحسنات.

واذا كان هذا التضييع مؤلماً في الليل الذي جعل للراحة والسبات فكيف بالنهار الذي جعل أصلاً للنشاط والعمل.

يحكى ان رجلاً فقيراً عثر على جوهرة نفيسة في بطن سمكة تالفة لم يستطع تدبير غيرها قوتاً لعياله، ولما عرضها للبيع لم يتمكن أكبر التجار من شرائها لغلائها وبالنهاية عرضت على الملك الذي لم يجد ثمناً لها الا ان يسلِّم الفقير ثلاثة مفاتيح واعطاه مهلة ثلاث ساعات ليحمل فيها ما يشاء من الأموال والجواهر، فلما فتح الفقير الغرفة الأولى وجد فيها ما لذَّ وطاب من أنواع الأطعمة والأشربة التي لم يحلم بها، ووجد في الثانية فراشاً وفيراً ووجد في الثالثة أموالاً وجواهر، فقرّر أن يقضي الساعة الأولى في تناول الأطعمة اللذيذة ثم ينام في الثانية ثم يحمل ما يستطيع من الأموال في الساعة الثالثة، وهكذا فعل لكنه غطَّ في نوم عميق بعد أن ملأ بطنه من الطعام والشراب حتى أيقظه الحراس وأبلغوه بانتهاء المهلة المقررّة، ولم يستطيع أخذ شيء من الأموال والمجوهرات فتوسّل إليهم بإمهاله ولو دقائق ليحصل على شيء ولكنهم رفضوا فخرج يعضُّ على اصبع الندامة.

قد نضحك من سذاجة هذا الرجل ونصفه بالجنون لأنه أضاع مثل هذه الفرصة الثمينة، لكننا لا نلتفت إلى أن اكثرنا أسوء حالاً منه، لانَّ هذا الفقير أضاع دنيا مهما تكن ثمينة فإنها زائلة وسيتركها ويرحل في يوم ما {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر:30) ولكن لننظر إلى حال الإنسان فأنه يضِّيع أثمن جوهرة حباه الله تعالى بها وهو عمره الذي يستطيع أن يجعل ثمنه جنان النعيم إن استثمره بشكل صحيح، لكنه يصرفه في النوم والعبث والفراغ ويضيّع وقته في الأمور التي لا تنفعه في دنياه ولا آخرته، وسيصاب بالصدمة حينما ينكشف عنه غطاء الغفلة بالموت {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق: 22) وحينئذٍ لا ينفعه الندم والتأسف.

وأسوء حالاً من هذا من أوقع نفسه في المعاصي فأنه سيخسر حتى القليل من الطاعات التي اكتسبها، روي أن النبي (J) قال لأصحابه يوماً: (أتدرون من المفلَّس؟ قالوا المفلَّس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال (J): إن المفلَّس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)([3]).

فعلينا أيها الأحبة أن نستيقظ من غفلتنا ونلتفت إلى الجوهرة الثمينة التي منحنا الله تعالى إياها وهي أعمارنا، ونغتنمها في كل ما ينفعنا في آخرتنا ويقربُّنا من رضوان الله تعالى.

 وأنتم - معاشر المدرسين والمعلمين من الرجال والنساء - اتيحت لكم فرصة عظيمة للطاعة من خلال موقعكم الشريف هذا الذي يمكنُّكم من تربية أجيال من الصبية والفتيان تربية صالحة فيكونون صدقة جارية لكم في المجتمع، فمهنتكم تربوية قبل أن تكون تعليمية ويسمُّونكم (تربويين)، والوزارة التي ترعى شؤونكم هي وزارة التربية ثم التعليم، وان تأثيركم في نفوس الطلبة وعقولهم أكثر من والديهم وأي شخص قريب لهم.

وتذكَّروا الحديث الشريف عن النبي (J) وهو يوصي أمير المؤمنين (A) لما بعثه إلى اليمن: (يا علي! وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)([4]).

وهذه الفرصة متاحة لجميع الأساتذة وليست مختصة بمدرّس التربية الدينية، ولعل تأثر الطلبة بصدور هذه المواعظ والارشادات من مدرّسي المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء أكثر من غيرهم وأشد رسوخاً في قلوبهم وعقولهم، فان مدرَّسي المواد العلمية يستطيعون تضمين دروسهم المواعظ والنصائح والتوجيهات الأخلاقية وتقوية عقائد الطلبة وتصحيح سلوكياتهم وتعريفهم بسيرة أهل البيت (D) والقضايا التاريخية المهمة كمواقف صدر الإسلام وواقعة الغدير أو القضية الفاطمية أو الحسينية، فإنها هي التي حفظت الإسلام حياً في قلوب الناس، وإنها تلهم المواقف الصحيحة وتثبت العقائد الحقة وتعرّفهم بالقادة الحقيقيين والرموز الصالحة التي يجب أن يتأسوا بهم.

 خصوصاً ونحن نعاني من بقاء بعض المناهج الدراسية كما هي عليه إباّن الأنظمة الجائرة السابقة التي شوّهت عقول الطلبة وأفكارهم وعقائدهم وهي تحتاج بالتأكيد إلى تصحيح.

فابذلوا وسعكم في هذا المجال ولا تقصروا، لتفدوا على الله تعالى وصحائفكم غنية بالأعمال الصالحة وليست فقيرة، وصحَّحوا نيّاتِكم بإخلاص الأعمال لله تعالى، وإنَّكم بإعدادكم رجالاً صالحين واكفاء لبناء دولة متحضّرة تمهدون لدولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي الموعود (#)، فما أعظم عملكم وأغناه بالأجر والذكر الجميل.



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع أساتذة فروع معاهد فتية أمير المؤمنين (A) في النجف وبغداد يوم الجمعة 13/محرّم/ 1444هـ- الموافق 12/8/2022م.

([2]) الخصال: للصدوق: ٢٨، نور الثقلين: 4/ تفسير سورة الروم/ ح38.

([3]) تاريخ بغداد: 4/242، كنز العمال: 4/236/ح10327.

([4]) ميزان الحكمة: ٤/٣٤٤٣.