(ألسنا على الحق) شعار المؤمنين الرساليين

| |عدد القراءات : 81
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(ألسنا على الحق) شعار المؤمنين الرساليين([1])

(ألسنا على الحق) كلمة قالها علي الأكبر شبيه رسول الله (J) خلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً كما نعته أبوه الإمام الحسين (A) وهو أول شهداء أهل البيت (D) في معركة الطف بين يدي أبيه الإمام الحسين (A)، قال الكلمة أثناء مسيرة الإمام (A) من مكة إلى كربلاء، روى المؤرخون عن عقبة ابن سمعان قال: (فَلَمَّا ارتَحَلنا مِن قَصرِ بَني مُقاتِلٍ وسِرنا ساعَةً، خَفَقَ الحُسَينُ (×) بِرَأسِهِ خَفقَةً، ثُمَّ انتَبَهَ وهُوَ يَقولُ: «إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ< وَالحَمدُ للَّهِ‌ِ رَبِّ العالَمينَ. قالَ: فَفَعَلَ ذلِكَ مَرَّتَينِ أو ثَلاثاً. قالَ: فَأَقبَلَ إلَيهِ ابنُهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ (×) عَلى‌ فَرَسٍ لَهُ فَقالَ: «إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» وَالحَمدُ للَّهِ‌ِ رَبِّ العالَمينَ، يا أبَتِ، جُعِلتُ فِداكَ! مِمَّ حَمِدتَ اللَّهَ وَاستَرجَعتَ؟ قالَ: يا بُنَيَّ! إنّي خَفَقتُ بِرَأسي خَفقَةً، فَعَنَ‌ لي فارِسٌ عَلى‌ فَرَسٍ، فَقالَ: القَومُ يَسيرونُ وَالمَنايا تَسري إلَيهِم، فَعَلِمتُ أنَّها أنفُسُنا نُعِيَت إلَينا. قالَ لَهُ: يا أبَتِ، لا أراكَ اللَّهُ سوءاً، ألَسنا عَلَى الحَقِّ؟ قالَ: بَلى‌ وَالَّذي إلَيهِ مَرجِعُ العِبادِ؛ قالَ: يا أبَتِ، إذَن لا نُبالي؛ نَموتُ مُحِقّينَ. فَقالَ لَهُ: جَزاكَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ خَيرَ ما جَزى‌ وَلَداً عَن والِدِهِ)([2]).

أقول: لم يرتبك علي الأكبر ولم يقلق من سيرهم نحو الموت ولم يطلب من والده الرجوع إلى المدينة وإلغاء هذه السفرة، وهو شاب في مقتبل العمر وأبواب الدنيا السعيدة مفتوحة أمامه وإنما أجاب أباه بكل عزيمةٍ وثبات (ألسنا على الحق) وهو على اطمئنان تام إلى الحق الذي هم عليه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108).

هذه ليست كلمة عابرة وإنما تستحق أن تكون شعاراً يأوي إليه المؤمنون الرساليون العاملون (ألسنا على الحق) فما دمنا على الحق، إذا لا نبالي بالصعوبات والمشاكل والمثبطات والآلام القاسية التي تنالنا من الأعداء والخصوم، ولا شك إن الأكبر يقصد بضمير (نا) الثلة المخلصة التي كانت مع الإمام الحسين (A) من أهل بيته وأصحابه الذين استشهدوا بين يديه، ولكن الشعار لا يختص بهم بل يشمل آخرين ممن شملهم الله تعالى بلطفه وتأييده {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (النور: 21) فالمهم أن نعرف من المقصودون بضمير (نا) وما هي أوصاف الذين يصدقون بقولهم (ألسنا على الحق) ويكونون جديرين بالالتحاق بهذه الحركة المباركة، وهذه الأوصاف هي:

1- الإسلام لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19] وقوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3), وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).

2- الولاية لأمير المؤمنين (A) فأنه الحق بصريح قول رسول الله (J): (علي مع الحق والحق مع علي والحق يدور حيثما دار علي)([3]), وإتباع أئمة أهل البيت (D) فمنهم يؤخذ الإسلام المحمدي الأصيل، وهم عدل القرآن الذي أوصى النبي (J) بالتمسك بهما في حديث الثقلين المشهور: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)([4]).

3- الرجوع إلى العلماء الجامعين لشرائط المرجعية والتقليد فإنهم الحجج المنصوبون من قبل الأئمة المعصومين (D) ولا تبرأ الذمة بغير إتباعهم (اللهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِ)([5]) وكلما كان العلماء أجمع للصفات التي أكد عليها الأئمة المعصومون (D) كان الاقتراب إلى الحق أكثر، بأن يكونوا حريصين على الأمة مشفقين عليها دؤوبين في توعيتها وإرشادها وهدايتها إلى ما يصلح دنياها وآخرتها، وأن يبذلوا وسعهم في خدمتها وقضاء حوائجها ورفع مظلوميتها {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128) وأن يكونوا حاذقين فطنين من أهل الحكمة والتدبير والنظر كما في الحديث الشريف: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)([6]).

إن مبدأ (ألسنا على الحق) والثبات عليه ليس ادعاءات ولقلقة لسان بل له حقيقة تظهر على السلوك والأفكار والمواقف ولا يتحقق إلا بتوفيق الله تعالى وتأييده ولا يأتي بالرغبات والتشهي، لذا يعلّم الإمام الصادق (A) شيعته أن يطلبوا من الله تعالى في دعاء عقيب الصلوات الواجبة اليومية (وأرني الحق حقا حتى أتبعه، وأرني الباطل باطلا حتى أجتنبه)([7]) فمجرد العلم بالحق نصف الطريق وكم من شخص يعرف الحق لكنه لا يتبعه {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل: 14) فلا بد من تحقق النصف الآخر وهو حسن التوفيق باتباعه.

نعم المضي على الحق والثبات عليه يتطلب جهوداً استثنائية ويعّرض صاحبه للمشاق والصعوبات والآلام وكثرة الأعداء {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (المؤمنون: 70) ولذا كثر أعداء أمير المؤمنين (A) وحاسدوه ومبغضوه([8]) لأنه مع الحق، لكن المؤمن الرسالي الواعي لما ينظر إلى ما أعدّ الله تعالى من الجزاء الكريم للثابتين على الحق فإنه تهون عليه تلك المصاعب وتخفّ الآلام، لأنه لا قيمة لعناء زائل إذا كانت عاقبته نعيماً مقيماً خالداً مع سادة الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) مع جمع من الزوار يوم 30/ ذي الحجة/ 1444هـ- الموافق 19/ 7/ 2023م.

([2]) الصحيح من مقتل الإمام الحسين (A) للريشهري: 577, عن تاريخ الطبري: 5/407، مقتل الحسين للخوارزمي:1/226, ومصادر كثيرة.

([3]) بحار الأنوار: 38/ 29, برواية سعد أبن أبي وقاص.

([4]) وسائل الشيعة للحر العاملي: 27/ 34.

([5]) مفاتيح الجنان: دعاء زمن الغيبة.

([6]) تحف العقول: 356.

([7]) بحار الأنوار العلامة المجلسي: ٨٣/ ١٢٠.

([8]) راجع موسوعة خطاب المرحلة: 8/ 239، (مناقب أمير المؤمنين (A) لا تتناهى كأعدائه).