{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} - الحرب مستمرة للقضاء على أعداء الإسلام

| |عدد القراءات : 40
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى 

{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]

الحرب مستمرة للقضاء على أعداء الإسلام[1]

 

{وَلَا يَزَالُونَ} إن أعداء الإسلام - بتشكيلاتهم المختلفة فكرياً وعقائدياً - مستمرون بشنّ الحروب عليكم بلا هوادة، وإن تظاهروا بالسلام أحياناً وبالصداقة أخرى أو بالتحالفات السياسية والأمنية والاقتصادية وغير ذلك، فلا تغفلوا واحذروا أن يخدعوكم أو يستدرجوكم.

{حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ} هذا هو جوهر الصراع مع أعداء الإسلام، و سرّ استمرارهم الدائب على شنّ الحروب عليكم في كل زمان ومكان، إنهم يريدون انتزاع الدين منكم لأنه يغيظهم ويثير حسدهم ويكشف انحطاطهم، ويرعبهم ويفشل مشاريعهم، فلا يستقر لهم قرار حتى يحرموكم من هذه الجوهرة الثمينة التي هي اعظم نعم الله تعالى على الناس، و إعادتكم إلى حياة الجاهلية المنافية للمبادئ السامية والفطرة الإنسانية النظيفة، وهذه هي الفتنة الكبرى التي تزيد على قتل النفس، وقد أشارت إليها الآية الكريمة في جزئها السابق {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} لأن فيها إزهاقاً للحياة الباقية الخالدة، وحرماناً من جنات النعيم، وهي شاملة لكل فتنة تبعد عن الدين سواء كانت فكرية أو أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية حتى لو غُلٍفت بغطاء ديني لخداع الناس.

وهذه الحقيقة نبّه عليها القرآن الكريم في مواضيع عديدة كقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] وقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران : 149] وقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].

        وهم مهما غلّفوا خططهم بعناوين مغرية كالحرية والتقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة ورعاية الطفل ومكافحة العنف الأسري وغير ذلك، بل حتى لو أعلنوا إن حربهم اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو استعمارية أو لضرورة الأمن القومي ومكافحة الإرهاب أو تحرير الأراضي او البحث عن أسلحة الدمار الشامل أو إزالة الأنظمة الاستبدادية، وغير ذلك، فإن هدفهم واحد وهو إطفاء نور الإيمان في قلوبكم والاستقامة في سلوككم وتحويل الناس إلى قطيع من البهائم همّها شهواتها ليسوقوهم بلا وعي ولا بصيرة إلى ما يريد هؤلاء الشياطين وهو ما أوصلوا إليه الشعوب الغربية.

 وفي الآية دلالة واضحة على أنهم هم من يبدؤون الحرب ويريدون استمرارها، وليس الإسلام دين حرب وإكراه كما يتقولون لتشويه صوره الإسلام، لأن همّ الإسلام هو تحرير الإنسان وفكِّ قيود الجاهلية التي تكبِّل عقله وتقسي قلبه وتلوث فطرته {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]. 

        وحروبهم لا تقتصر على العسكرية وإرسال الجيوش وآلات القتال، وإنما يشنّون عليكم حروباً أخطر وأخفى وأعقد وهي الحرب الناعمة بأشكالها العديدة التي أشرنا إليها في قبس سابق ([2])، فبالخمر والنساء والحفلات الماجنة وإلقاء الخلافات والمنازعات بين الحكام قضوا على وجود الإسلام في بلاد الأندلس الذي أستمر ثمانمائة عام، ومن أساليبهم الناعمة غسيل الدماغ والتخريب الثقافي والأخلاقي وتحريف الدين وتحويله إلى طقوس شكليه لا أثر لها في سلوك المجتمع وتسويق صورة جديدة له تلائم رؤيتهم والترويج لها ودعم مؤيديها، كمشروع الدين الابراهيمي مثلاً، أو الإسلام على طريقة الفاتيكان، لأن خصمهم الذي يخشونه هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي تقوم حياة الناس على أساسه ويزيد في وعيهم وبصيرتهم لا دين الجهل والخرافات والدجل.

وقد طوروا أدواتهم وأساليبهم اليوم بشكل مذهل وخطير ومؤثر وأوصلوا مكرهم وشيطنتهم إلى كل دار وأصبحت أجهزتهم الفتّاكة وبرامجهم السامة في متناول الطفل الصغير قبل الشخص الكبير.

 {إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] تحذير للمسلمين لغلق أي فرصة تمكنّهم من تحقيق أغراضهم، وبنفس الوقت فانه تعبير لا يخلو من تحدٍّ للأعداء وتعجيز لهم عن بلوغ مرامهم، كقول الحمزة لأبي جهل بعد أن صفعه (ردَّها علي إن استطعت) وإنهم مهما شنوا من حروب ظالمة فإنهم لا يستطيعون إطفاء نور الحق، وزعزعة المؤمنين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان وأشربوا حب الله تعالى في قلبوهم، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49] {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

 ثم بيّنت الآية الكريمة في جزئها اللاحق عاقبة من تغريه الدنيا ويخضع للشهوات ويبتعد عن دينه فإنه يخسر دنياه لأنه سيُنبذ من المجتمع ويحرم من الحقوق والامتيازات المادية والمعنوية التي يتمتع بها المؤمنون، ويخسر آخرته أكيداً، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] فلينتبه إلى هذه الآية الكريمة الذين تغريهم الحياة في الغرب فيذوبوا في انحطاطهم، أو من تفتنهم الأموال والمناصب والشهرة فيتخلوَنّ عن دينهم، وغيرهم كثير ممن يتّبعون شهواتهم ويزيّن لهم الشيطان قبيح الأفعال.

وتذكر الآية التالية الفئة المقابلة وهم المؤمنون الصالحون الثابتون على الإيمان والاستقامة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].

        فأشحذوا هممكم أيها الأحبّة، وأنهضوا بحركة دؤوبة تقاوم حركة الأعداء وتتغلب عليها لنصرة الإسلام وإنقاذ أهلكم من مخالب الشياطين التي غرزوها في عقولهم ونفوسهم، ولا يشغلكم شيء عن هذه المنازلة الكبرى وأنتم تشغلون مواقع القيادة في الأمة، وتجعلون من المساجد التي هي بيوت الله تعالى منطلقاً لحركتكم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، كما نهض العلماء الواعون المخلصون بعد أن أدركوا حيل الشياطين ووعوا أهدافهم في إبعاد الناس عن دينهم وقادتهم الحقيقيين، وفي ذلك نظم المرحوم السيد صدر الدين الصدر (u) بيتين شطرهما عدد من الأعلام ومنهم الشيخ جعفر نقدي (رحمه الله تعالى):

(فوّقت الأعداءُ سهم حقدهِا)
             

 

على الهدى والحقدُ في القوم مرض

وبالجديد سترت أغراضّها
             

 

(وقلبُ دين المصطفى هو الغرض)

(فيا حماةَ الدين حولوا بينه)
                

 

وبين مَن بغياً عليه قد نهض
 

وأبلغوها يا حماة حينَها
                   

 

(وبينها قبل بلوغها الغرض) ([3])
 

 

 



[1] - كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في المؤتمر السنوي الثالث لأئمة المساجد في محافظات العراق الذي عقد تزامناً مع ذكرى المولد النبوي الشريف يوم الخميس 19/ربيع الأول/1445 الموافق 5/10/2023.

[2] - راجع قبس 191 من نور القرآن ج6/ص68/ في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].

[3] - السيد صدر الدين الصدر، حياته وسيرته بقلم الشهيد السعيد السيد محمد الصدر (u) وهو عمّ أبيه، ص 104، والسيد صدر الدين الصدر أحد كبار مراجع الدين في قم المقدسة، توفي عام 1373هـ/ 1954 م.