اضاءات قرآنية (5) الرد الحاسم على أعداء القرآن الكريم

| |عدد القراءات : 20
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

اضاءات قرآنية (5)

الرد الحاسم على أعداء القرآن الكريم

شكر الله تعالى جهود كل الذين دفعتهم غيرتهم على المقدسات إلى المساهمة بإخلاص في الفعاليات المتنوعة للدفاع عن القرآن الكريم وإظهار مكانته السامية، ونرجو أن يدخلهم الله تعالى في شفاعة القرآن فإنه (شافع مشفَّع) أي مقبول الشفاعة قطعاً كما في الحديث الشريف، و أن يقودهم إلى رضوان الله تعالى، وهو بنفس الوقت (ماحل مصدّق) أي خصم لا تُردُّ دعواه و مصدَّق في حجته غالب على من يحاول الإساءة إليه ويصدّ الناس عن الاهتداء به، فالخزي والذل والهوان لكل من انتهك حرمة القرآن سواء كانوا حكومات أو مؤسسات أو افراد، فقد فضحتهم أفعالهم هذه وأظهرت وجوههم القبيحة ونواياهم الخبيثة التي طالما زيّنوها بشعارات برّاقة مزيفة كالحرية وحقوق الإنسان والتعبير عن الرأي وغير ذلك, لكن النار لما تصل إليهم كما في اضطرابات فرنسا الحالية تنقلب مواقفهم إلى النقيض فيطالبون بمحاسبة الآباء بدعوى أنّهم لم يربّوا أولادهم المشاركين في الاحتجاجات, وبنفس الوقت هم يمنعون الآباء من تأديب أولادهم بحجة العنف الأسري ويسحبونهم منهم , وهذا من تناقضات حضارتهم البائسة، فالحمد لله الذي فضحهم وأكذب أحدوثتهم.

لكن على المؤمنين أن يلتفتوا إلى أن الأعداء يراهنون على أن تقتصر ردود الأفعال على حدود العواطف والانفعالات الثورية التي لا تدوم فيعودون إلى أفعالهم الشنيعة مرة أخرى لأنهم ماضون في حربهم على الإسلام بل على الفطرة الإنسانية , وما هذه التفاهات التي تثار هنا وهناك الا حركات استفزازية ضمن هذه الحرب المسعورة ، وهم مصرّون على تنفيذ مشاريعهم الشيطانية التي تريد إلهاء الناس و تحويلهم إلى قطيع من الحيوانات لا تفقه من الحياة شيئاً إلا تلبية غرائزها وشهواتها، ويبقون هم متحكمين في مصير البشرية، لذلك فإنهم يجدون في القرآن الذي يوقظ البشر وينبههم من غفلتهم ويهديهم إلى المبادئ السامية، ويعتمده المسلمون دستوراً لهم , وفي رسول الله(J) وأهل بيته (D) الذين يترجمون رسالة القرآن إلى واقع عملي يجدون فيهم عدّوهم اللدود الذي يجب القضاء عليه وفصل الناس عنه.

 فعلينا أن نتخذ مواقف وإجراءات حازمة ضمن إستراتيجية ثابتة واضحة الأهداف، لنحوِّل جرائمهم إلى انتصار وتقدّم حقيقي للإسلام، فإن أعداءنا حمقى مع خبثهم ومكرهم ولا يعلمون إن أية قضية يزيدون الطرق عليها فإنها تثبت وتستقر أكثر,  وتزداد وضوحاً ويقيناً، وتدفع المؤمنين إلى ترسيخها والدفاع عنها وإجابة كل الشبهات المثارة عليها، كما حاولوا طمس الهوية الإسلامية وإسقاط حجاب المرأة، ونشر الرذيلة في المجتمع من خلال الترويج للإلحاد والشذوذ الجنسي وزواج المثليين مخالفين بذلك الفطرة الإنسانية وليس الدين فقط، فانقلبت عليهم بالضد وزاد تمسك المسلمين بهويتهم وإيمانهم، وحاولوا محو الشعائر الدينية والسخرية منها فازداد تعلق المؤمنين بها حيث ترى الملايين من أصقاع العالم يؤدون مناسك الحج ويحضرون في المساجد ويتلون القرآن ، كما انتعشت مسألة الإمامة وولاية أهل البيت (D) والشعائر الحسينية وأمثالها بكثرة الطرق عليها.

وهذا من لطف الله تعالى بعباده أن يحوِّل الأفعال الشرّيرة لبعض البشر إلى أسباب لصلاح الناس وتقوية الإيمان في نفوسهم، كما جعل الله تبارك وتعالى من فعلة بني أمية بقتلهم الحسين (A) سبباً لانتشار الدين وهداية الناس به ودوامه إلى يوم القيامة.

إن الإسلام يمتلك القدرة الفائقة على التأثير في الناس, وإصلاح أشد الناس قسوة وهمجية كالمغول وغيرهم من الأمم المتوحشة التي اكتسحت بلاد المسلمين وعاثت فيها فساداً وقتلاً وتدميراً، لكنها سرعان ما آمنت بالإسلام وأذعنت له خلال مدة قصيرة، ويتحدث كثير من الذين اعتنقوا الإسلام من الأمم الأخرى عن كيفية تأثرهم بآية من آيات القرآن لأنها حلّت لهم مشكلة أو أجابت عن سؤال عويص ونحو ذلك، وأوجبت هذا التحول في حياتهم، كآية التوحيد التي فسّرت لهم انسجام الخلق، أو آية الخلود في الآخرة التي أعطت الثقة بأنفسهم بأنهم لم يخلقوا عبثاً وإنما لغاية، أو ما دلّ على إن الله معكم وإنه قريب من عباده يسمع دعاءهم ويقترب إليهم أكثر مما يقتربون إليه ونحو ذلك.

والمهم أن نكون نحن أبناء القرآن حمَلَةً حقيقيين له بأن نذوب فيه حتى يكون هو عيننا التي نبصر بها والأذن التي نسمع بها واللسان الذي نتحدث به وعقلنا الذي يملي علينا قراراتنا وقلبنا الذي ينبض بمشاعرنا في الحب والبغض، فهل عبدة العجل من بني إسرائيل أولى بالتعلق بمعبودهم الجماد الذي لا يضرّ ولا ينفع كما وصفهم الله تعالى {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (البقرة : 93)، أو الذي قال في كرة القدم أن حبها يجري في عروقي كالدم، وأمثالهم من الذائبين في التفاهات، فهل هؤلاء افضل منا في أن نُشرِب في عروقنا حب الله تعالى واوليائه العظام وكتابه الكريم، حتى يكون هو المحرِّك لحياتنا؟ ولنعلم بان هذا الذوبان يحتاج الى مقدمات ومؤهلات وصحبه وتفاعل مع القران([1]) كما في الحديث الشريف عن أبي عبد الله (A) قال: (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه)([2]).

فالرد الحقيقي على هذه الإساءات والذي يرعب الأعداء ويجعلهم يتندمون على فعلتهم هما أمران:

1- وحدة المسلمين ونبذ الفرقة بينهم بعد أن ميزّوا من خلال هذه الانتهاكات بين الصديق والعدو، فليس من أتباع القرآن من عادى أخاه المسلم الذي انتفض معه غيرة على القرآن، ويوالي العدو الذي يتبجّح بالإساءة إلى القرآن.

2- التمسك بتعاليم القرآن وأحكامه وانظمته وقوانينه , والتدبر في آياته وإحياء دوره في حياة الأمة , واتخاذه قائداً وهادياً لا نحيد عن نهجه وصراطه المستقيم , فإنه الثقل الأكبر والحبل الممدود من السماء الذي لا يضل من تمسّك به، وعلينا أن نجعله ميزاناً لأعمالنا فنفعل ما يأمرنا به ونجتنب ما ينهانا عنه من دون مجاملة لأحد أو خوفٍ من آخر , أو نغلِّب أهواءنا وعواطفنا وشهواتنا على ما يريده الله تعالى، وبذلك نحبط محاولات شياطين الإنس والجن الذين همُّهم وغرضهم إبعاد الناس عن الله تعالى وإضلالهم عن طريق الحق {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف: 16) {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر: 39).

وهذان الأمران اعني إقامة دين الإسلام ووحدة الامة هما الغرض الأسمى للقران الكريم بل لكل الشرائع السماوية، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13).

وفي ضوء هذه الآية الكريمة يعرف الترابط الوثيق بين القران والامامة التي صدع بها النبي الاكرم (|) في يوم الغدير، وبتعبير اخر بين الثقلين بحسب الحديث النبوي المشهور لدى الفريقين، فـبالولاية حفظ القران من التحريف والتأويل، وضَمِن ديمومة بقائه الى نهاية الدنيا لتهتدي به البشرية الى سعادة الدنيا والاخرة , وليوّحدها على المبادئ الإنسانية العليا.

وهنا نقول بكل ألم وأسف أن ما يقوم به بعض المسلمين من منكرات كوضع الانظمة والقوانين المخالفة للقران والحكم بغير ما انزل الله تعالى , والإثراء بغير حق على حساب قوت الشعب وحرمانه من حقوقه , أو نشر بؤر الفساد الأخلاقي كمحلات الخمور والملاهي وحفلات المجون , وظهور النساء متبرجات أمام الرجال الأجانب,  وترك الصلاة وغير ذلك , فضلاً عن إراقة الدماء وانتهاك الأعراض وتعطيل مصالح الناس من أجل أطماع شخصية أو تعصباً لجهة معينة , لهو أشد إساءة إلى القرآن الكريم وأقسى إيلاماً لقلب النبي الأكرم (J) من حرق المصحف هنا أو نشر صور مسيئة هناك, وهو ما يشكو منه النبي (J) بحسب قوله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) (الفرقان :30) فانتبهوا أيها المسلمون ولا يخدعنّكم الشيطان بمكره.

وعلى أي حال فإنَّ هذه النهضة القرآنية الظافرة لها عدة أدوات ومظاهر منها:

1- أن يجعل الخطباء مادتهم في المجالس والمحاضرات من تفسير الآيات الكريمة، واستلهام الدروس والعبر منها، وبيان القضايا العقائدية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها التي تتناولها، وهو منهجنا في تفسير (من نور القرآن) واخترنا منه أربعين مجلساً قرآنياً في كتاب (المعارف القرآنية والمنبر الحسيني).

2- أن يدأب أئمة المساجد على قراءة صفحتين من القرآن الكريم عقب كل صلاة جماعة قبل أن يتفرق المصلّون وهي لا تحتاج إلى أزيد من بضع دقائق.

3- تلاوة القرآن باستمرار ولو في أوقات الصلوات المفروضة فقد ورد استحباب قراءة خمسين آية يومياً.

4- الاستفادة من الأجهزة المحمولة للاستماع إلى التلاوات المباركة بأصوات جهابذة القراء  في أوقات الانتظار أو السفر أو وقت الاستراحة والخلوة.

5- مطالعة التفاسير المختصرة كتفسير شبر والمعين للإلمام بالمعاني العامة للآيات الكريمة وتهيئة الذهن للتدبر فيها.

6- عقد محافل الانس بالقرآن الكريم واختيار القرّاء الذين يشدّون المستمعين إلى آياته.

 نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أستضاء بنور القرآن وسار على نهجه القويم ونصره وانتصر به والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 



([1]) راجع كلمة سماحة المرجع حول هذا المعنى في كتاب خطاب المرحلة بعنوان (قابلية الدين الإسلامي العظيم على صناعة التغيير والإصلاح شرط ان يذوب أبناؤه في مبادئه السامية وفي مضامين القرآن الكريم) خطاب المرحلة :ج13/ ص؟؟؟

([2]) بحار الأنوار : ج ٧ /ص ٣٠٥