{أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} - الفوز والفلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165]
الفوز والفلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[1]
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 164- 165].
روى علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح في سبب نزول الآيات عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن قوماً من أهل إيلة[2] وهي قرية لبني إسرائيل وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك – وقد نهوا عن الصيد يوم السبت لأنه يوم تفرغ للعبادة وعيد أسبوعي كالجمعة عند المسلمين - فشرعت إليهم يوم سبتهم – أي تظهر واضحة على سطح الماء وسهلة التناول يوم السبت دون بقية الأيام لأنهم كانوا يمتنعون عن الصيد يوم السبت في بداية الأمر فكانت الحيتان تأتي آمنة يوم السبت فسبحان الله الذي علّمها يوم السبت من بين الأيام - في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم فبادروا إليها فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم: إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكُلوها فيما سوى ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله أن تتعرضوا لخلاف أمره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم: {لِمَ تعظون قوماً الله مهلكم أو معذّبهم عذاباً شديداً}، فقالت الطائفة التي وعظتهم: {(معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون} قال: فقال الله عز وجل: {فلما نسوا ما ذُكِّرُوا بهِ} يعنى لما تركوا ما وُعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمّنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريباً من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت، فدقّوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر (حسّ) واحد فوضعوا سلّماً على سور المدينة ثم أصعدوا رجلاً منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة[3] يتعاوون، فقال الرجل لأصحابه يا قوم أرى والله عجباً، قالوا وما ترى؟ قال: أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها أذناب، فكسروا الباب، قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟ فقال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا وقد قال الله عز وجل: {فبُعداً للقوم الظالمين}، فقال الله: {وأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس –أي شديد- بما كانوا يفسقون})[4].
تصنّف الآيات الكريمة مواقف الناس من النهي عن المنكر إلى ثلاثة ذكرها الشيخ الصدوق فيما رواه بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا وأمروا فنجوا، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمُسخوا ذرّاً[5]، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا)[6]، ومسخوا قردة وخنازير (في الآية 60 من سورة المائدة) لأنهم لا يستحقون صفة الإنسانية، وروى مثلها في روضة الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: وأضاف الطبرسي في مجمع البيان ((إنه هلكت الفرقتان، ونجت الفرقة الناهية، روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام))، فالذين لم يفعلوا المنكر لكنهم سكتوا ولم ينهوا عنه كانوا من الظالمين أيضاً وعُوقِبوا لأنهم بدلاً من أن يتوجّهوا بالأنكار إلى العاصين، توجهوا باللوم والتقريع إلى الواعظين.
وفي الآية دلالة واضحة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الآية صرّحت بنجاة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر فقط ووصفت الصنفين الآخرين بالظالمين واستحقاقهم العقاب، ولو لم تكن هذه الوظيفة واجبة لما استحق الصنف الثاني القاعد عن أداء الفريضة الذين ائتمروا ولم يأمروا العذاب.
لذا كان ابن عباس يبكي لثقل هذه المسؤولية، روى في الدر المنثور بسنده عن عكرمة قال: (جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فقلتُ: ما يبكيك يا ابن عباس؟ قال: هؤلاء الورقات، وإذا في سورة الأعراف) ثم ذكر هذه الآيات وفسّرها إلى أن قال: (فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها)([7]).
ويظهر من الآية أن هذا الصنف التارك لفريضة الأمر بالمعـروف والنهـي عن المنكر هم الذين قالوا:P لِمَ تَعِظُونَ قَوۡماًO لأنهم بحسب الظاهر غير الواعظ وغير المنهي فيتعين بهم.
ويظهر منها أيضاً أنهم محسوبون على المؤمنين الملتزمين بالشريعة ظاهراً، وربما يظهر من لحن كلامهم أنهم كارهون لفعل المنكر، مبررين سكوتهم بأنه لم يكن عن معصية لوجوب هذه الفريضة وإنما ليأسهم من صلاح العصاة، لكن عذرهم هذا لم يكن مقبولاً لأنَّ سكوتهم عن ردع المعتدين لا ينمّ عن وجود غضب لله تبارك وتعالى، وإنما كان لإسكات ضميرهم إذ الواجب عليهم أن يؤدّوا وظيفتهم أما النتائج فهي بيد الله تبارك وتعالى.
وفي تفسير الإمام العسكري (×) عن الإمام السجاد (×) من حديث (وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد بأسه حذّروهم، فأجابوهم عن وعظهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ} بذنوبهم هلاك الاصطلام {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} فأجابوا القائلين لهم هذا: {مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} إذ كُلِّفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربُّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهـم، قالـوا: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ونعظهــم أيضاً لعلهم تنجع فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها)([8]).
قال السيد الطباطبائي (+): ((وفي الآية دلالة على أن الناجين كانوا هم الناهين عن السوء فقط، وقد أخذ الله الباقين، وهم الذين يعدون في السبت والذين قالوا: {لم تعظون} إلخ وفيه دلالة على أن اللائمين كانوا مشاركين للعادين في ظلمهم وفسقهم حيث تركوا عظتهم ولم يهجروهم.
وفي الآية دلالة على سنة إلهية عامة، وهي أن عدم ردع الظالمين عن ظلمهم بمنع، وعظة إن لم يمكن المنع، أو هجره إن لم تمكن العظة أو بطل تأثيرها، مشاركة معهم في ظلمهم، وأن الأخذ الإلهي الشديد كما يرصد الظالمين كذلك يرصد مشاركيهم في ظلمهم))([9]).
أقول: ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة العصر: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} فلا يكفي لخروج الإنسان من حالة الخسر أن يكون صالحاً في نفسه بالإيمان والعمل الصالح، بل لا بد أن يكون إنساناً مصلحاً للمجتمع وفاعـلاً فـي عمليــة التغييـر بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر[10].
وقال: (رضوان الله تعالى عليه): ((وفي قولهم {إلى ربكم} حيث أضافوا الرب إلى اللائمين ولم يقولوا إلى ربّنا إشارة إلى أن التكليف بالعظة ليس مختصاً بنا بل أنتم أيضاً مثلنا يجب عليكم أن تعظوهم لأن ربكم لمكان ربوبيته يجب أن يُعتذر إليه، ويبذل الجهد في فراغ الذمة من تكاليفه والوظائف التي أحالها إلى عباده، وأنتم مربوبون له كما نحن مربوبون فعليكم من التكاليف ما هو علينا))([11]).
أقول: هذه التفاتة لطيفة وهي تدل على أن الفئة الناجية شملت بوعظها أولئك الساكتين حين ذكروهم بوظيفتهم أمام ربهم، ومنه يُعلَم النظر في وصفه (رضوان الله تعالى عليه) للأمة اللائمة بأنهم ((كانوا أهل تقوى يجتنبون مخالفة الأمر إلا أنهم تركوا نهيهم عن المنكر فخالطوهم وعاشروهم ولو كان هؤلاء اللائمون من المتعدين الفاسقين لوعظهم أولئك الملومون، ولم يجتنبوهم بمثل قولهم {معذرة})).
أقول: يكفي قولهم: {ربكم} لوعظ هؤلاء اللائمين وتذكيرهم بحقوق الربوبية عليهم.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أي صمّوا آذانهم عن سماع الموعظة ولم يعد لها أي تأثير فيهم حيث {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}.
وهنا يثار إشكال على استعمال لفظ: {نَسُوا} له تقريبان: ـ
1- إن هؤلاء لم يكونوا ناسين بل كانوا ذاكرين وملتفتين إلى مغبة العمل.
2- إذا كانوا ناسين فإن الناسي معذور ويقبح عقابه، فلماذا أخذوا بعذاب بئيس.
ونكتفي في الجواب بما قاله السيد الطباطبائي (+): ((وقوله تعالى: {فلما نسوا ما ذكّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء} المراد بنسيانهم ما ذكّروا: انقطاع تأثير الذكر في نفوسهم وإن كانوا ذاكرين لنفس التذكر حقيقة فإنما الأخذ الإلهي مسبب عن الاستهانة بأمره والإعراض عن ذكره، بل حقيقة النسيان بحسب الطبع مانع عن فعلية التكليف وحلول العقوبة)).
أقول: أي أنَّ النسيان هنا بمعنى زوال أثر التذكير على النفس فكأنه منسي حيث ساوى وجوده عدمه فلحق بالنسيان في عدم التأثير، وإنما يحصل هذا بالتدريج كما في رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال النبي صلى الله عليه وآله: كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون هذا يا رسول الله؟ فقال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرٌ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكـراً والمنكر معروفاً)([12]).
وهذه المراحل من الانحطاط كما ينتكس إليها المجتمع كذلك يرتكس فيها الفرد، فإنه في بداية الأمر له فطرة وضمير يعرف به الحق والباطل والحسن والقبيح فيرتاح إذا فعل الأول ويؤنّبه ضميره إذا فعل الثاني. لكنه بتزيينٍ من الشيطان وضغطٍ من النفس الأمارة بالسوء وعوامل أخرى يخالف هذا الضمير الداخلي من دون أن يصلح ما صدر منه ويعود إلى رشده، بل يتساهل فيه، وحينئذٍ ينتقل إلى المرحلة الثانية عندما تأخذه العزة بالإثم ويكابر ويغالط فيحاول إقناع نفسه بما فعل أو تبريره أو الهروب منه بارتكاب مزيد من الخطأ ومقارفة الخطيئة كمن يهرب من جريمته بشرب المسكر أو بجريمة أخرى ليتناسى جريمته الأولى. ثم تأتي المرحلة الثالثة عندما يسودّ قلبه ويموت ضميره ويُطبع على قلبه ويتحول إلى شيطان فيرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
وفي الآية الكريمة دلالات تنفع في الأبحاث الفقهية والأصولية، منها:
1- رد ما قاله الفقهاء من اشتراط احتمال التأثير في المأمور لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الآمر، حيث لم تجعل الآية الكريمة اليأس عن التأثير عذراً فعوقب التاركون لها، فعلى المؤمنين الرساليين الغيورين على الدين والمجتمع أن لا يدخلهم اليأس والإحباط، وأن يستمروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن لم يجدوا استجابة لفائدتين ذكرتهما الآية:
أولهما: {قَالُوا مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم} فهو على الأقل يكون معذّراً لهم أمام الله تعالى، وفيه إتمام للحجة على الآخر، وفيه راحة للضمير وشعور بالإنسانية وأنه كائن حي متفاعل مع الأحداث ولا وجود لليأس في حياتهم لأن رسالتهم محاربة هذه الظواهر السلبية.
ثانيهما: {وَلَعَلَّهُم يَتّقُونَ} إذ أنَّ تكرار الموعظة ربما يؤثر ولو بعد حين على العاصي، لأن التكرار يفسد عليه لذّته بفعل المنكر ويدفعه نحو التراجع والمراجعة، أو يخلق أجواءً اجتماعية ضاغطة على المنكر، ومحفّزة على المعروف، وإنَّ الأمل بالله تعالى موجود على أي حال وهو مدبّر الأمور، ولا شك أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر محسن سواءً أثّر أو لم يؤثر.
2- عدم تمامية تعريفهم للواجب الكفائي – ومن مصاديقه هذه الفريضة – بأنه إذا قام به بعض سقط الوجوب عن الآخرين، فهنا قام الناجون بالواجب ووعظوا العاصين إلا أنه لم يسقط عن التاركين، فلا بد من إعادة النظر في بيان حقيقة الوجوب الكفائي وقد بحثناه مفصّلاً في القسم الأول من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلنا هناك إن سقوط الوجوب يتحقق بزوال موضوعه، وما دام موضوعه قائماً فالوجوب مستمر والجميع معاقبون على تركه، فلا بد من حمل كفاية قيام البعض على هذا المعنى.
3- إعادة النظر في ما يسمّى بالحيل الشرعية واستغلالها للالتفاف على الحكم الشرعي كما في الحادثة التي تعرضت لها الآية الكريمة فإن اليهود مُنِعوا من صيد السمك يوم السبت لأنهم أرادوا تعيين يوم في الأسبوع يتفرغون فيه للعبادة ويتوقفون فيه عن أعمالهم – والسبت يعني الانقطاع - عيداً لهم إلا أنهم احتالوا على الحكم بصنع أخاديد وحظائر من القصب على البحر يدخل إليها الماء ويحتجزون فيها السمك يوم السبت ثم يصطادونه يوم الأحد والمفروض أنه شكل من أشكال الصيد ويشمله حكم الحرمة، فلا بد من التفريق بين مثل هذه الحيل وبين الرُخَص التي شرّعها الله تعالى لعباده رحمة وتيسيراً.
وقد حذّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من إيجاد المبررات والمسوِّغات لعدم التناهي عن المنكر فضلاً عن التحايل على فعله فقال (صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)[13]. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية فيستحلّون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع)[14].
فالشريعة وكذلك القوانين التي تنظم حياة المجتمع لا يحميها ولا يضمن تطبيقها كثرة الحراس والمراقبين والشرطة، وإنما التقوى والوازع الداخلي والالتزام الأخلاقي المعبَّر عنه بالضمير، وهذا من الفروق المهمة بين المجتمع القائم على أساس الإسلام وغيره من الأمم المادية.
ولنعرّج على كربلاء بما روي عن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: (إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك، فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهتك حريمه، إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعدَّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف هذا المسخ)[15].
[1] - قبس قرآني من درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبة في النجف الأشرف يوم الأربعاء 5/ربيع الثاني/1446 الموافق 9/10/2024.
[2] - وهي إيلات اليوم مدينة تقع على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام كما في معجم البلدان ومراصد الاطلاع وهو خليج العقبة.
[3] - قال تعالى في الآية التالية: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166].
[4] - البرهان: 4/127 ح2 عن تفسير القمي:1/244، وح8 عن تفسير العياشي: 2/33 ح93.
[5] - الذر: النمل الصغار أو الصغير التي لا تكاد ترى وكذا ذرات التراب وأمثالها، وفي نور الثقلين: 2/90 عن تفسير العياشي بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) وفيه (قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما صنع بالذين أقاموا ولم يقارفوا الذنوب؟ قال: بلغني أنهم صاروا ذرّاً).
[6] - الخصال: 100، ح54.
([7]) الدر المنثور:3/589.
([8]) تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني:4/129، عن تفسير العسكري: 269.
([9]) الميزان في تفسير القرآن: 8/301.
[10] - راجع القبس المتعلق بسورة العصر في تفسير (من نور القرآن): ج5/ص348، قبس 184.
([11]) النص وما بعده في الميزان في تفسير القرآن: 8/ 300-301.
([12]) وسائل الشيعة: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب 1، ح12.
[13] - الدر المنثور: 3/592.
[14] - نهج البلاغة، الخطبة (156).
[15] - البرهان: 4/129 ح3 عن تفسير العسكري: 268، 136 و137.