دعوة للاقتباس من نور كلمات أمير المؤمنين (ع)
دعوة للاقتباس من نور كلمات أمير المؤمنين (A)[1]
أشتهر وصف كلام أمير المؤمنين (A) بأنه ((دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين))[2] وليس في هذا الوصف أيه مبالغة لأنه (A) هو ((القرآن الناطق))[3] وهو (A) صنو القرآن ولا يفترقان بنص حديث الثقلين المشهور الذي رواه الفريقان، وهو (A) الذي أئتمنه النبي (J) على تأويل القرآن وبيان حقائقه وأخبره بأنه سيقاتل على التأويل كما قاتل هو (J) على التنزيل[4]، فكان (A) ترجمان القرآن.
لما وقع الخوارج ضحية خديعة معاوية وعمر بن العاص حينما طلبا الاحتكام إلى كتاب الله فهددوا أمير المؤمنين (A) بالحرب وتمزيق الجيش إذا لم يقبل التحكيم كما قال أوائلهم ((حسبنا كتاب الله)) فحذرهم (A) من الوقوع في الفتنة وأن القرآن لابد له من ناطق قال (A): (هذا القرآن كتاب بين أيديكم إنما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال) ويقصد به نفسه الشريفة، وقد شرحنا في خطاب سابق[5] معنى أن علياً (A) هو النقطة، لأنه كالنقطة التي تعطي بحركتها على الحروف معانيها وتميز بينها، وبدونها تكون الكلمات مجملة ومبهمة، وكذلك أمير المؤمنين (A) فإنه بيّن المعاني الحقيقية للقرآن الكريم.
وكلام أمير المؤمنين (A) كالقرآن الكريم لا يختص تفوّقه بالفصاحة والبلاغة وإن كانت هذه سمة بارزة فيه شهد بذلك أعداءه، روى ابن ابي الحديد في مقدمة شرح النهج أن محقن الضبي دخل على معاوية فسأله من أين جئت، قال: ((جئتك من عند أعيى الناس![6] قال: يا ابن اللخناء لعليّ تقول هذا؟!وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره؟))[7]، وإنما لأنه رشحه من أنوار القرآن الكريم.
ولو صُنّفت[8] خطب أمير المؤمنين (A) وكلماته في نهج البلاغة ومستدركاته وغرر الحكم وغيرها لوجدته يتناول نفس قضايا القرآن الكريم.
ومن تلك القضايا:
1- المعارف الإلهية من التوحيد والمعاد والمبدأ والمنتهى وسائر العقائد الحقه وعجائب المخلوقات، وفي أول كلمة من أول خطبة له في النهج بعد الحمد والثناء قوله (A) (أول الدين معرفته).
2- قصص الأنبياء العظام والتنبيه إلى مواضع العبرة والتأسي فيها خصوصاً مما سمعه ورآه من رسول الله (J).
3- عظمة القرآن الكريم وأسراره ودوره في صلاح البشرية وهدايتها، والدعوة إلى العمل به.
4- اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) وأفضليتهم على الناس أجمعين وأنهم السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى ومغبّة التخلف عنهم، وصفات الإمام الحق.
5- أحوال الإنسان في الحياة الدنيا وما بعدها والوصف الدقيق للموت وكيفية حلوله بالإنسان والدعوة إلى الاتعاظ به.
6- الوصايا والنصائح والتوجيهات الاجتماعية والانتفاع من التجارب الحكيمة والخبرات الكاملة، وبيان الأخلاق الفاضلة والتحذير من الرذائل الخلقية.
7- أسس الدولة الصالحة والمجتمع الصالح، ومقومات الحياة الكريمة للإنسان والعدالة الاجتماعية، وأمور السياسة وتوجيه أعمال الولاة، وصفات الحاكم من وجهه نظر الإسلام.
8- الحث على الجهاد في سبيل الله تعالى، وبيان آداب الحرب وعوامل النصر وأسباب الهزيمة، والقيمة الكبرى للشهادة في سبيل الله تعالى.
9- فضح الشبهات العقائدية والفكرية والرد عليها وإنقاذ الأمة من الضلالات والشكوك وبيان أسباب نشوء الفتن وتمددها واتساعها.
10- الحث على التقوى والعمل الصالح والتزهيد في الدنيا الخادعة وتهذيب النفس والدعوة إلى تطبيق الشريعة في سائر نواحي الحياة والتفقه في الدين.
11- معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل التاريخية للأمم كالفقر والطبقية وعبادة الطواغيت والاستكبار والاستئثار والانانية.
12- بناء الأسرة الصالحة وبيان مسؤوليات كل فرد والواجبات والحقوق.
13- عرض القضايا التاريخية والملابسات التي حصلت ووجه الحق فيها حتى لا تسيء الأمة اتخاذ المواقف بإزائها وتبني عليها عقائد وأفكار وسلوكيات خاطئة.
وحينما عنون السيد الشريف الرضي (رضوان الله تعالى عليه) الكتاب بنهج البلاغة كان يعلم أنه ليس نهجاً للبلاغة فقط وإنما لكل فضيلة ومكرمة وسعادة على نحو القرآن الكريم، ولعله أراد تمرير الكتاب بهذا العنوان الذي لا يثير الأجواء المشحونة بالطائفية والمعادية لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) والسائرين عليه.
وكان السلف الصالح يتواصون بالتأمل في خطب أمير المؤمنين (A) وكلماته، ووجدتُ في إحدى إجازات المحقق النائيني (رضوان الله تعالى عليه) الوصية بالمداومة على قراءة خطبة أمير المؤمنين (A) عقيب تلاوته سورة آلهاكم التكاثر[9]، وقد أدركنا خطباء ذلك الزمن وقد جرى ديدنهم على افتتاح مجالس الوعظ والإرشاد بخطبة لأمير المؤمنين (A) وهي غالباً في الموعظة وذكر الموت وأحوال القبر والآخرة والتحذير من الاغترار بالدنيا ثم يشرحونها ويعززون كلامهم بالشواهد القرآنية والتاريخية والأدبية، ونقل جدي لأبي المرحوم شيخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي عن أخيه الشيخ مهدي وهو جدي لأمي: أنني لا أبالغ إذا قلت إنه كان يحفظ ثلاثة أرباع نهج البلاغة[10]، وسمعت والدي يقول عن بعض العادات المنبرية التي كان يسير عليها أنه أخذها عن أبيه عن جده الشيخ يعقوب وكلهم خطباء معروفون عن المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري الواعظ الشهير الذي كان يحضر مجلسه في الصحن الحيدري الشريف أكابر العلماء ومراجع الدين.
لذا فنحن بحاجة إلى نهضة علوية مباركة للاستفادة من كلمات أمير المؤمنين (A) الموجودة في نهج البلاغة وغيره كمستدركه الذي يزيد عليه بأربع مرات وقصار كلماته في غرر الحكم الذي هو مجلد يضاهي كتاب النهج ومن أدعيته ومناجاته، حتى لا نكون كمعاصريه الذين تعلقت قلوبهم بالدنيا فسئموا مواعظه وقالوا له: لقد أبرمتنا بكثرة مواعظك[11]، فإننا وإن أفتقدنا شخصه (A) ألا أنه موجود بيننا بكلماته وكأنه يخطب فينا.
ولنجعل هذه النهضة شكراً عملياً للنعمة العظيمة التي وهبنا الله تعالى إياها في هذا اليوم المبارك بميلاد أمير المؤمنين (A) في جوف الكعبة، ولتكن بمثابة الهدية التي نقدمّها له (A) في ذكرى ميلاده الميمون وجزءً من الاحتفال بهذه المناسبة العطرة.
ويمكن أن تكون هذه النهضة من خلال عدة إجراءات عملية:
1- إضافة درس شرح نهج البلاغة إلى المنهج الدراسي في الحوزة العلمية.
2- تضمين المجالس والمحاضرات خطب وكلمات أمير المؤمنين (A).
3- تأسيس المراكز المتخصصة بتصنيف كلمات أمير المؤمنين (A)وتحليلها وشرحها.
4- ترجمة كلمات أمير المؤمنين (A) إلى اللغات المختلفة ليتعرف العالم على جوانب الكمال في شخصيته العظيمة ولتستفيد الأمم منه ما يعالج مشاكلها النفسية والاجتماعية والحضارية.
إن من حق الشيعة أن يفخروا بأنهم من أتباع هذا الإمام العظيم في الدنيا وفي الآخرة حيث يقول الله تبارك وتعالى {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الإسراء: 71) فيدعى الشيعة بإمامهم أمير المؤمنين (A)، فمن هم أئمة الآخرين يا ترى؟ وأي شيطان من شياطين الجن والإنس يقودهم.
نسأل الله تعالى الاستقامة على دينه والثبات على ولاية أمير المؤمنين (A) وأن يحشرنا في زمرة النبي (J) وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
[1] - تقرير كلمة ارتجلها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في درسه بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام) في 13/رجب/1446 الموافق 14/1/2025
[2] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - ص ٢٤.
[3] - موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ٨ - ص ٢٠٦، عن الإمام عليّ عليه السلام ـ لَمّا أرادَ أهلُ الشّامِ أن يَجعَلُوا القُرآنَ: أنَا القُرآنُ النّاطِقُ (ينابيع المودّة : ج1 ص214 ح20 ).
[4] - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ١ - ص ١٧٤.
[5] - من نور القرآن: ج1/ص 40.
[6] - أي لا يحسن التكلم.
[7] - 1/22 مقدمة الشارح، سفينة البحار: 7/83.
[8] - أُلِفّ أكثر من كتاب في هذا المجال لحسن الاستفادة منها.
[9] - نهج البلاغة: الخطبة 220.
[10] - البابليات: 3/ص260 القسم الثاني ط.الثانية.
[11] -تاريخ الطبري: ج4/324، أعيان الشيعة: ج ٧ - ص ٧٢