الصلوات الشعبانية للإمام السجاد (ع) وثيقة مهمة في العقائد والأخلاق والسياسة

| |عدد القراءات : 37
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

الصلوات الشعبانية للإمام السجاد (A) وثيقة مهمة في العقائد والأخلاق والسياسة[1]

 

        الصلوات الشعبانية المروية عن الإمام السجاد (A) في ظاهرها دعاء بليغ جليل القدر، وهي في حقيقتها بيان عميق في العقائد والأخلاق وفي السياسة أيضاً، فمن يتصور أن الإمام السجاد (A) أنكفأ على نفسه وأعتزل الحياة العامة عملاً بالتقية المشددة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (A) وأهل بيته وأصحابه البررة فإنه واهم حيث تتضمن الصلوات الشعبانية فقرات عديدة.

        فهي تعدّد أولاً مناقب أهل البيت (%) وفضائلهم التي اختصهم الله تعالى بها دون الناس ففاقوا الخلق أجمعين وهي مضامين أحاديث نبوية شريفة، فقال (A) في مستهل الدعاء (اللهم صلي على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة[2] ومعدن العلم وأهل بيت الوحي) لذا فهم سادة الخلق وأئمتهم وقادتهم وولاة أمورهم (اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الأبرار الأخيار الذين أوجبت حقوقهم وفرضت طاعتهم وولايتهم).

        وفي الفقرة الأخرى يبين (A) حاجة الأمة جميعاً لهم وعدم استغنائهم عن الرجوع إليه (اللهم صل على محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين) فهم الكهف الحصين الذي يحمي عقائد الناس ويضمن لهم النجاة والأمان فأمروا بالإيواء إليه، قال تعالى {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] وفي هذا تأكيد لإمامتهم كما نقل عن الخليل الفراهيدي أنه سأل عن الدليل على إمامة علي بن أبي طالب (A) فقال ((حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس)).

ثم يبين وظيفة الأمة تجاههم وهي ملازمتهم والأخذ عنهم واتباعهم وعدم الزيغ عن تعاليمهم (اللهم صل على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق) وفي هذا تذكير بالحديث النبوي الشريف (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح (A)، من دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق)[3] فالذين تقدموا على اهل البيت (%) وتقمصوا الخلافة زوراً وبهتاناً هم مارقون عن الدين، وفي هذا تعريض بالخلفاء والملوك المتصدين وسلب لشرعيتهم وهي أعلى أشكال المعارضة السياسية، والمتأخر عنهم من الناس الذين لم يتبعوهم وابتعدوا عنهم زاهقون لأنهم ضلوا الطريق، أما الناجي فهو الموالي المتبع لهم واللازم لطريقتهم فإنه سيلحق بأئمته (%) قال تعالى {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71].

        ومن هذا يظهر أن الإمام السجاد (A) لم يلجأ إلى السكون والدعة ويجلس مكتوف الأيدي متذرعاً بعدم أمكانية العمل الاجتماعي بسبب قسوة يزيد اللعين ومن تبعه من أجلاف بني أمية، بل عمل بتكتيك جديد وهو أسلوب الدعاء الذي غذى من خلاله الأمة بأصول العقائد والمعرفة الإلهية والأخلاق الفاضلة والتعريف بالقادة الحقيقيين وهم أئمة اهل البيت (%) وتحذير الأمة من الفتن والضلالات والانحراف ونحو ذلك مما هو موجود في خزائن الصحيفة السجادية، وهكذا القادة العظماء فإنهم لا يتوقفون عند انغلاق الفرصة وإنما يعملون على صنع فرص أخرى.

فمثلاً حينما لم يجد (A) الفرصة متاحة له لتأسيس الحوزات العلمية التي تعلِّم الناس فقه أهل البيت (%) وسيرتهم لجأ إلى أسلوب آخر وهو شراء العبيد وتعليمهم ومعايشتهم ليطلعوا على سيرة الإمام (A) عن قرب، وفي نهاية كل شهر رمضان يجمعهم ويعظهم ويطلب منهم الصفح عن كل تقصير صدر منه تواضعاً لله تعالى ويبلغهم عفوه وصفحه عن اساءتهم، ثم يعتقهم ويعطيهم ما يكفي لمؤونتهم فيصبح هؤلاء دعاة إلى اهل البيت (%) وحملة لعلومهم، وخلال سنوات قصيرة أصبح فقهاء الأمصار الإسلامية في نهاية القرن الأول الهجري من الموالي، وكان نخبة أصحابه (A) منهم مثل سعيد بن جبير الذي وصف بأنه جهبذ العلماء وما من أحدٍ إلا وهو محتاج إلى علمه وقد قتله الحجاج الثقفي وكذا يحيى ابن ام الطويل وأبو خالد الكابلي.

وبعد أن كان شعار الأعداء يوم عاشوراء ((لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية)) انتشر التشيّع في جميع بلاد المسلمين، حيث كانت تصل وفود الموالين في موسم الحج إلى الإمام الباقر (A) من العراق وبلاد فارس وغيرهما، وكل ذلك ببركة العمل الدؤوب الذي قام به الإمام السجاد (A) بصمت لكن سمعه كل الناس.

 ((اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة كثيرة تكون لهم رضا ولحق محمد وآل محمد أداءاً وقضاءاً بحول منك وقوة يا رب العالمين اللهم صل على محمد وآل محمد وأعمر قلبي بطاعتك ولا تخزني بمعصيتك).

 



[1] - كلمة قصيرة ارتجلها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في بداية درسه يوم الثلاثاء 5/شعبان/1446 الموافق 4/2/2025 بمناسبه ذكرى ميلاد الإمام السجاد (A).

[2] - أي تختلف إليهم الملائكة هبوطاً وصعوداً، وفي الرواية عن أبي حمزة الثمالي قال: (دخلت على علي بن الحسين فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقط أي شئ هو؟ قال : فضلة من زغب الملائكة ، فقلت : وجعلك فداك وانهم ليأتونكم ؟ فقال: يا أيا حمزة انهم ليزاحمونا على متكائنا) (مناقب آل أبي طالب، ج ٣، ابن شهر آشوب، ص ٢٧٧).

------------------------------

[3] - ميزان الحكمة: ج ٤ - ص ٢٨٢٠ نقلاً عن كنز العمال٣٤١٦٩، بحار الأنوار: 23/124.