تذكير في يوم المنبر

| |عدد القراءات : 1
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

تذكير في يوم المنبر[1]

يصادف يوم الأول من صفر يوم المنبر وهو اليوم الذي ارتقى فيه الإمام السجاد (×) أعواد الجامع الأموي في دمشق ليتحدث بكلمات لله تعالى فيها رضى وللناس صلاح بمحضر يزيد وطغام أهل الشام وألقى خطبته التي هزّت عرش الأمويين وأطارت نشوة الانتصار من رأس يزيد وأجبرته على الاعتراف بالجريمة الكبرى وتحميل واليه على العراق عبيد الله بن زياد المسؤولية.

وفي هذه المناسبة نلفت نظر الأعزاء الذين وفّقوا لارتقاء المنابر بمعناها الواسع حيث تشمل المنصات الإعلامية التي يتحدث فيها الخطيب مشافهة مع الجمهور كشاشات التلفزيون وقنوات التواصل الاجتماعي مضافاً إلى خطباء الجمعة والمنبر الحسيني، إلى جملة أمور:

 

1 – عظمة هذه الفرصة لطاعة الله تعالى حتى نوظفها لنيل رضا الله تبارك وتعالى فعلاً، حيث تنفتح من خلال المنبر عدة أبواب لما ذكرته الأحاديث الشريف كقول النبي(|) لعلي (×): (لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)[2]،  وما رواه أبو الصلت الهروي قال: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (×) يقول (رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس)[3]، ومنها الحديث الشريف عن النبي(|) قال: (ألا أحدثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله عز وجل على منابر من نور؟ قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين يحبّبون عباد الله إلى الله ويحبّبون الله إلى عباده، قلنا: هذا حبّبوا الله إلى عباده فكيف يحببون عباد الله إلى الله؟ قال: يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله)[4] فبإمكانك أن تنال هذه المرتبة العظيمة من خلال المنبر بأن تحبّب الله تعالى للناس[5] فتذكرهم بنعمه العظيمة التي ما خفي منها اعظم مما ظهر، ودفعه تعالى للبليات الفادحة التي لم نكن نتصور النجاة منها، وهو المعنى الذي ورد في دعاء الافتتاح (الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلَا أُجازِيهِ ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي ، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفانِي ، وَبَهْجَةٍ مُونِقَةٍ قَدْ أَرانِي؟) ونحو ذلك.

وأن يصحح الخطيب الفهم الخاطئ لدى الناس حيث يعتقدون بأن كل ما اصابهم من بلاء أو حادث فهو من الله تعالى وهم وان صبروا على مضض الا انهم في باطنهم يضمرون السخط على قضاء الله تعالى لانهم فقدوا عزيزاً أو مالاً أو عافيةً ونحو ذلك، وهذا ظلم يصححه الله تعالى في خطابه لنبيه (|): {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (النساء : 79) فالله تعالى ليس هو من أوقع الانسان في هذه البلية وإنما الانسان أوقع نفسه فيها باختياره، وهذه هي الحقيقة على عكس ما نتصوره، بل أن الله تعالى يدفع الكثير من البلاء عن الانسان مما تسبّب هو فيه قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرعد : 11) وقال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30).

وقد صدر كتاب (ساكن القلب) فيه أربعون قبساً قرآنياً تبين العلاقة القلبية بين الله تعالى وعباده.

2 – أجعلوا من القرآن الكريم أساساً ومنطلقاً لمادة الخطبة والمجلس لأنَّ فيه كل ما تريد ان تقوله من موعظة وهداية وإصلاح، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89) وبذلك تعم الفائدة لان القرآن الكريم مقبول من الجميع وتقوي الحجة بأسنادها إلى القرآن، فكل قضية تريدون الحديث عنها أبحثوا عنها في القرآن الكريم واستنطقوه، وبعبارة أخرى بدلاً من أن نتناول موضوعاً معيناً ونذكر الآيات القرآنية شاهداً عليه، نقلب الأمر فنجعل الآية الكريمة هي عنوان البحث، ونتناول تلك القضية من خلالها، مثلاً تريد أن تتحدث عن شجاعة أمير المؤمنين (×) وإيثاره وإخلاصه لله تبارك وتعالى وفدائه للدين وللرسول (|)، وتذكر قضية مبيته على الفراش شاهداً، ونزول قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207)، تغيّر خطة البحث فتبدأ بالآية وتفسيرها ومعناها العام، ثم تطبقها على علي أمير المؤمنين (×)، أو مثلاّ في ذكرى استشهاد الإمام الحسن (×) المقبلة بعد أيام، نفتتح الحديث بالآية الكريمة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}  (الفرقان: 63 - 64) ثم نبيّن كيف أن الإمام الحسن (×) أجلى مصاديق الآية ونذكر الشواهد من سيرته المباركة على كل صفة مما ذكرت الآيات الكريمة، وبذلك تثبت ماورد في الحديث الشريف أن الائمة المعصومين هم صنوا القرآن ولا يفترقان وأنهم (القُرآنُ النّاطِقُ)[6].

       وقد صدر كتاب (المعارف القرآنية والمنبر الحسيني) فيه تفسير أربعين آية كريمة وينتهي البحث في كل آية منها بالتعريج على قضية الإمام الحسين (×) لختتم الخطيب مجلسه بالنعي على أبي عبد الله (×).

3 – الإخلاص لله تبارك وتعالى، وان يكون كلامك كما وصفه الإمام السجاد (×) (لله في رضا وللناس فيه صلاح) فيكون هدفك نيل رضاه سبحانه وهذه هي بوصلتك، فتراقب الله تعالى في حديثك، فلا تجامل أحداً، ولا تتزلف إلى أحد، ولا تأتي بكلام لا تعلم مستنده والحجة عليه، ونحو ذلك من المسؤوليات، سأل أحد الخطباء عن صحة حضور السيدة فاطمة الزهراء ($) في مجالس ولدها الامام الحسين (×) كلها أو بعضها  المتصف بالإخلاص ونحو ذلك فقلت له: هذا قد لايكون شيئاً حسناً لكم من بعض الجهات لان السيدة الزهراء ($) ستكون شاهدة على ما قلته إن كان من غير تثبّت أو تطعن بمؤمن صالح ليرضى عليك فلان وتنال شيئاً من الدنيا التي تحت يده، ومن ذا الذي يسلم من كل ذلك.

4 – وصف المعصومين (^) بكل ما يليق بهم من معاني العزة والكرامة والسمو والرفعة والاستقامة من دون الوقوع في المغالاة، وتجنب كل ما لا يليق بمقام المعصومين (^) من عدم التوقير كوصف الإمام السجاد (×) والأسارى من عيال الإمام الحسين (×) بالذلّة والهوان، وهو مخالف لعلو مقامهم بنص القرآن الكريم {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8) ولا حاجة إلى الإسفاف في مقامهم (صلوات الله عليهم أجمعين) من أجل استدرار الدمع وإذكاء العواطف، فأن الوقائع الفادحة التي جرت على الإمام الحسين (×) وأهل بيته تكفي ولا يستطيع العقل البشري تصورها، فلا حاجة إلى إضافة الخطباء شيئاً من عندياتهم فانهم مسؤولون عنه.

      ويمكن صياغة كل ما يفهمه الناس من معاني الهوان بعكسها من المعاني العزة والاباء والاستقامة والسمو خذ مثلاً بقاء جسد الإمام الحسين (×) ثلاثة أيام ملقى على رمضاء كربلاء بلا دفن فأنه توهين للميت عرفاً كما أرده أبن سعد والجيش الاموي إلا أن الشاعر ذا البصيرة حولّه إلى معنى راقٍ فقال:

ما إن بقيت من الهوان على الثرى

 

ملقىً ثلاثاً في رُبىً ووهاد

لكن لكي تقضي عليك صلاتها

 

زمر الملائك فوق سبع شداد

 

      فأنت يا أبا عبد الله (^) في الحقيقة سموت إلى أعلى عليين حيث تصطف الملائكة زمراً للتبرك بالصلاة عليك واستغرقت صلاتها جميعاً هذه الثلاثة أيام.

 



[1] - كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في يوم الجمعة 29 / محرم / 1447هــ الموافق 25/ 7 / 2025م

[2] - الكافي: ٥ / 28 / 4.  عن ميزان الحكمة / محمد الريشهري - ج ٤ / ص ٣٤٤٣

[3]- بحار الأنوار: ج ٢ / ص٣٠

[4] - فقه الخلاف: ج10 كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر القسم 1/ح23 ص118 / روضة الواعظين: ١٢، البحار: ٢ / ٢٤ / ٧٣.

[5] - توجد تفاصيل أوسع في تفسير (من نور القرآن) عند قبس من قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة : 54]

4- ينابيع المودّة: ج1/ ص214 / ح20. (لما أراد أهل الشام أن يجعلوا القرآن حكما بصفين: أنا القرآن الناطق)