خطاب المرحلة (751) مراعاة حقوق الأخوة المؤمنين شرط الولاية وثمرتها وشعارها

| |عدد القراءات : 4
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مراعاة حقوق الأخوة المؤمنين شرط الولاية وثمرتها وشعارها([1])

قلنا في مناسبة سابقة لعيد الغدير إن الأعمال المستحبة لهذه المناسبة فيها شيء لم يوجد في أي من المناسبات الأخرى، وهو عقد المؤاخاة بين المؤمنين فيقول بعضهم لبعض (آخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله)، وهذا يعني: إن من شروط الولاية لأمير المؤمنين وأهل بيته (^)، ومن علامات وشعارات الولاية الصادقة لهم (^) ومن ثمرات الولاية المخلصة: المؤاخاة مع المؤمنين وحفظ حقوق الأخوة معهم، فهذه الجوانب الثلاثة للولاية يجب ملاحظتها وتأكيدها وتجديدها في هذا العيد الأكبر، وقد علّمنا المعصومون (^) أن نشهد بهذه العلاقة الوثيقة بين المؤمنين عندما نزورهم (^) فنقول (يا اَبا عَبْدِاللهِ انّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)([2]).

ونريد الآن أن نضيف شيئاً إلى هذا مما ورد في عقد المؤاخاة وهو أن حقوق الأخوّة بين المؤمنين عظيمة لا يطيقها إلا الأفذاذ من المؤمنين، لذا أستحب لهم أن يسقط بعضهم عن بعض حقوق الأخوّة إلا الشفاعة والدعاء والزيارة فيقول بعضهم لبعض (أسقطت عنك جميع حقوق الأخّوة ما خلا الشفاعة والدعاء والزيارة)، فإن من حق المؤمن على أخيه ألا يبخل بها عليه، إن هذا الإسقاط أريد به العفو عمّا يحصل من تقصير بسبب غفلة أو عصبية أو إتباع شهوة ونزوةٍ، وهو لا يعني سقوط حقوق الإخوان لأن لها شأناً عظيماً عند الله تعالى، قال أمير المؤمنين (×): (قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين)([3]), وقال الإمام الصادق (×): (ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن)([4]) ولا عجب في ذلك فإن السعي لقضاء حوائج المؤمنين والاهتمام بأمورهم وإدخال السرور عليهم يتضمن جملة من الأخلاق العظيمة التي تتطلب مجاهدة للنفس كالتواضع والحياء والكرم وسلامة القلب ومداراة الناس والإيثار وغير ذلك.

والروايات الشريفة الواردة في بيان حقوق المؤمنين كثيرة، منها ما في الكافي بسنده عن سعيد بن الحسن قال: (قال أبو جعفر (×): أيجيئ أحدكم إلى أخيه فيُدخِل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلتُ: ما أعرف ذلك فينا! فقال أبو جعفر (×): فلا شيء إذاً، قلتُ: فالهلاك إذاً، فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد)([5]) أي لم يبلغوا درجة الإيمان الكامل.

وقد ألّف الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) كتاباً في ذلك سمّاه (الإخوان)، ومما رواه بسنده عن الإمام الباقر (×) قال: (أرأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قال: قلت: لا، قال: فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد إزاراً؟ قال: قلت: لا، قال فضرب بيده على فخذه ثم قال ما هؤلاء بأخوة)([6]).

وفيه عن إسحاق بن عمار قال: (كنت عند أبي عبد الله (×) فذكر مواساة الرجل لإخوانه وما يجب له عليهم فدخلني من ذلك أمر عظيم، فقال: إنما ذلك إذا قام قائمنا، وجب عليهم أن يجهزوا إخوانهم وأن يقوّوهم)([7]).

وإلى هذا التفاوت في درجات الإيمان يشير الإمام الباقر (×) بقوله: (لم تتواخوا على هذا الأمر، ولكن تعارفتم عليه)([8]).

ولكثرة هذه الحقوق وصعوبة الالتزام بها فقد كان الأئمة (^) يشفقون على أصحابهم ولا يبيّنونها كلَّها لهم، ففي الكافي بسنده عن معلى بن خنيس قال: (سألت أبا عبد الله عن حق المؤمن، فقال: سبعون حقاً لا أخبرك إلا بسبعة، فإني عليك مشفق أخشى أن لا تتحمل)([9]).

وفي رواية أبن أعين أنه سأل أبا عبد الله (×) عن حق المسلم على أخيه فلم يجبه([10]) خوفاً عليه من عدم تحملها.

لكن هذا التشديد على مراعاة حقوق الإخوان وصعوبة القيام بها لا يصح أن تكون نتيجته عدم الإكثار من الإخوان المؤمنين خشية التفريط بحقوقهم، وإنما يستحب الازدياد منهم مع السعي الممكن لأداء حقهم كما في إكثار الإخوان من بركات في الدنيا والآخرة، روى الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال بسنده عن الإمام الصادق (×) قال: (من استفاد أخاً في الله استفاد بيتاً في الجنة)([11])، وقال (×): (استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة، فإن لكل مؤمن شفاعة)([12]).

ولابد من الالتفات إلى أنّنا لو فرضنا أن الله تعالى أسقط وجوبها إذا أسقطها صاحبها، فإن محبوبيتها عنده سبحانه كافية للحث على القيام بها، كما أن الأمر الوارد في الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} (المجادلة:12) أسقطه الله تعالى شفقة على المؤمنين بقوله {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} (المجادلة:13) ألا أن محبوبيته لكونه سبباً للطهارة والخير باقية وتحث على العمل.

وفي ضوء ما تقدم فإن ما يحصل من إساءة وتسقيط وتشهير وافتراء بين المؤمنين على مواقع التواصل الاجتماعي أو في أحاديث المجالس، لمجرد الاختلاف في الرأي أو الموقف أو جهة الانتماء أو أي شيء آخر هو من أعظم المنكرات المحرمة في الشريعة، وتزداد سوءً كلما انتشرت أكثر، وصاحبها وناشرها غير معذورين، لأن بإمكانهم بل يجب عليهم التثبّت من الأمر واستيضاح الحقيقة من المعني بالقضية مباشرة، وإلا فإنهم يرتكبون كبائر عديدة، وعلينا التأمل طويلاً في الرواية التالية في من يتحدث عن أخيه المؤمن بسوء ليسقّط سمعته الاجتماعية قال الإمام الصادق (×): (من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان)([13]).



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد كبير من الزائرين بمناسبة عيد الغدير الأكبر يوم 18/ذي الحجة/1445هـ- الموافق 25/6/2024م.

([2]) مفاتيح الجنان: زيارة عاشوراء.

([3]) ميزان الحكمة: 1/68, عن جامع الأخبار: 252/ ح650.

([4]) وسائل الشيعة: 12/ 203.

([5]) الكافي: 2/173/ ح13.

([6]) وسائل الشيعة: 12/26.

([7]) وسائل الشيعة: 12/27.

([8]) الكافي: 2/168/ ح1.

([9]) الكافي: 2/139/ ح14.

([10]) وسائل الشيعة: 12/27/ ح5.

([11]) ثواب الأعمال - الشيخ الصدوق: ١٥١.

([12]) وسائل الشيعة: 12/17/ ح6؛ مصادقة الأخوان للشيخ الصدوق: 46/ح1.

([13]) الكافي: ج٢/ ص٣٥٨, باب الرواية على المؤمن/ح1.