خطاب المرحلة (756) الناس تتمنى يوم القيامة أن لو كانوا من شيعة علي (ع)
الناس تتمنى يوم القيامة أن لو كانوا من شيعة علي (×)([1])
قال الله تبارك وتعالى {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} (النبأ:40).
صورة لأحد مشاهد يوم القيامة يظهر فيها الكافر وكل ظالم لنفسه بالمعاصي والذنوب الذي أضاع آخرته لدنيا هزيلة تافهة {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} (إبراهيم:3)، وهو في أقسى حالات الشعور بالندامة والأسف وهول الموقف {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (الزمر:56) حينما تعرض عليه أعماله فينظر فيها بصورتها الظاهرية {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} (آل عمران:30) {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} (الكهف:49) ويعيش حقائقها الواقعية التي هي جزاءاتها {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النمل:90).
وتجسُّمُ الأعمال يكون أبلغ في الحجة وأوقع في الجزاء للعاصين كما للمطيعين، حيث تظهر على حقيقتها بلا تزويق أو رياء أو نفاق أو خداع، فيتألم بها غاية الألم ويعضّ على أصابعه حسرة على ما فرّط في أمر آخرته حيث لا ينفعه ندم {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (ص:3) فإن هذا المصير البائس صنعه بنفسه لنفسه بما كسب من أعمال سيئة {مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} وإنما ذُكِرت اليد لأن غالب الأعمال تنجز بها، أو لأن في اليد تعبيراً عن القدرة التي ينجز بها سائر الأعمال، وإلا فإنه مسؤول عن أعمال كل جوارحه كاللسان والعين والرجل والأذن وغيرها.
وقد دعاه الله تعالى إلى أن ينظر لنفسه فأنهما واحد في مقاييس الآخرة، ويحسن اختيار مصيره والمستقبل الذي يصنعه فإن عاقبته منوطة باختياره وأن يقدّم ما يستطيع من دنياه لآخرته فإن الدنيا مزرعة الآخرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر:18) {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} (المزمل:20).
ولعل {يَنْظُرُ} هنا بمعنى ينتظر فإنهما واحد في مقاييس الآخرة، فالكافر والظالم ينتظر برعب وقلق نشر صحيفة أعماله التي سوّدها بالمعاصي، كالطالب الفاشل الذي يتمنى أن يدفن رأسه في التراب يوم توزيع نتائج الامتحانات ويتمنى أن لا تنشر {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} (الفرقان:27-29).
{إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} فليس له أي عذر أو مسوِّغ، لأن النُذُر والمواعظ تواترت من الله تبارك وتعالى على لسان الأنبياء والرسل وأوصيائهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد مهدّت الآية السابقة بالتذكير بأن يوم القيامة والحساب حق لا ريب فيه فليبادروا وليستثمروا الفرصة ما داموا موجودين في الدنيا قبل فواتها {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} (النبأ:39).
والتخويف والإنذار أبلغ في هداية الناس وإصلاحهم من الترغيب، قال الإمام الصادق (×): (المؤمن بين مخافتين: ذنبٍ قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمرٍ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فلا يصبح إلا خائفاً، ولا يصلحه إلا الخوف)([2]).
وهذا اليوم قريب لأنه آتٍ بلا شك وكل آتٍ قريب، ولأن الإنسان مهما عمّر في الدنيا فإن وجوده فيها لا يتجاوز لحظة في عمر الزمن، ويكون لا شيء إذا قيس إلى الخلود في الآخرة، وفي الحديث الشريف (الدنيا ساعة فاجعلها طاعة)([3])، وإنه بموته يدخل عالم الآخرة وتنقطع فرصة عمله قال النبي (’): (إذا ماتَ أحَدُكُم فَقد قامَت قِيامَتُهُ، يَرى ما لَهُ مِن خَيرٍ وشَرٍّ)([4])، بل القرب متحقق الآن لأنَّ الأعمال التي سيجزى بها الإنسان معه وملازمة له فهي شديدة القرب واللصوق {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (التوبة:49) لكنهم غافلون عن هذا القرب، فالذي أغراهم بالمعاصي وعدم التمسك بالدين ظنهم بأن يوم القيامة بعيد وقد لا يأتي {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (ق:3) {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (فصلت:23).
{وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (النبأ:40) وحينئذ يتمنى الكافر والظالم لو كان تراباً لا قيمة له تطأه الأقدام بنعالها ولا يقع في هذا الموقف المهول القاسي، وفي بعض التفاسير([5]) أن القائل إبليس إذ يتمنى أن يكون أصله من ترابٍ كآدم (×) وليس من نار مما أوجب استكباره وعصيانه، وهو معنى لا بأس به إلا أنه لا داعي لحصر اللفظ العام للآية بهذا المصداق فقط.
وإنها لنتيجة مؤسفة أن يتمنى الإنسان الذي كرّمه الله تعالى وجعله خليفته في الأرض وأهّلَه ليكون أفضل من الملائكة، أن يكون تراباً لأنه يرى أنه أحقر من التراب، ويرى أن التراب أفضل منه، فقد كان مصدر غذائه وكان مباركاً تضع فيه البذرة فيعطي أنواع الثمار الطيبة، والكافر لا خير فيه بل كان جالباً للشر والنكد له ولغيره، فالتراب أفضل من الكافر.
ولتراب الأرض قيمة معنوية في حياة الإنسان لانتمائه إليه وتعلقه به وحنينه إليه، قال أمير المؤمنين (×): (من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظه قديم إخوانه)([6])؛ لذا كان للتراب رمزية كبرى في حياة الإنسان والمجتمعات تصل إلى حد التضحية بالنفس من أجل حفظه وسلامته ويعدّونه من المقدّسات، لذلك تفاءل المسلمون خيراً لما حمّلهم كسرى وقراً من تراب ونثره على الرسول إهانة لهم وجواباً على دعوتهم إياه للإسلام أو يدفع الجزية أو القتال، فعادوا إلى القائد العام سعد بن أبي وقاص مستبشرين بالظفر وفتح بلاد فارس وتملّك أرضها([7]).
وعلى أي حال فإن تمنّي الكافر أن يكون تراباً يمكن أن يكون له عدة معانٍ:
1- إنه تراب الذي هو أصل الإنسان قبل أن يخرج إلى الدنيا أي يتمنى أنه لم يخلق أصلاً.
2- أنه تراب حينما كان رميماً في القبر حيث يعود إلى أصله فيتخلص من النشر والحشر.
3- أو أنه جماد ولو في أتفه صورة كالتراب الذي تطأه الأقدام والأحذية ولا يحمل الأمانة ولا يكون مكلفاً بشيء يحاسب عليه.
4- ((وقيل إنه يتمنى حينئذٍ أن يكون تراب سجدة المؤمن تنطفئ به عنه النار، وتراب قدمه عند قيامه في الصلاة، فيتمنى الكافر أن يكون تراب قدمه))([8]).
5- أو أنه كان طيبّاً متواضعاً طيّعاً لله تبارك وتعالى كالتراب الذي شرّفه الله تعالى بأن كان أصل الإنسان ومبدأ خلقه وإليه معاده {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه:55)، وهو محل سجوده وبه طهوره قال النبي (’): (أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)([9]) حتى وصف الإنسان الصلب في إيمانه المتمسك بالمبادئ والزاهد عن الدنيا بأنه ترابي.
وأكمل مصاديق هذا المعنى أن يكون مسلماً موالياً لأهل البيت (^) متمسكاً بنهجهم القويم، وهذا المعنى مروي عن أهل البيت (^) كقول الإمام الصادق (×): (ترابياً يعني علوياً يوالي أبا تراب)([10]).
ويشهد له أن النبي (’) قال لعلي (×): (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة)([11]) وقد كنّى (’) علياً (×) بأبي تراب، فشيعة علي (×) شُبّهوا بالتراب لأنهم أهل السجود والطهور وأهل التواضع، وهم مباركون معطاؤون بحسب ما قدّمنا من أوصاف التراب وأمير المؤمنين (×) أبو الترابيين المبدأيين المباركين الراسخين في الإيمان والمعرفة لذلك كانت هذه الكنية أحبّ أسمائه إليه.
روى الشيخ الصدوق بسنده عن عباية بن ربعي قال: (قلت لعبد الله بن عباس، لم كنى رسول الله (|) علياً (×) أبا تراب؟ قال لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول الله (|) يقول: إنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال يا ليتني كنت تراباً - يعني من شيعة علي - وذلك قول الله عز وجل: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً})([12]).
قال العلامة المجلسي (+) تعليقاً على الرواية: ((يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته (×) بأبي تراب، لأن شيعته لكثرة تذللهم له وانقيادهم لأوامره سُمّوا تراباً كما في الآية الكريمة، ولكونه (×) صاحبهم وقائدهم ومالك أمورهم سمي أبا تراب، ويحتمل أن يكون استشهاداً لتسميته (×) بأبي تراب، أو لأنه وصف به على جهة المدح لا على ما يزعمه النواصب لعنهم الله حيث كانوا يصفونه (×) به استخفافاً، فالمراد في الآية: يا ليتني كنت أباً ترابياً، والأب يسقط في النسبة مطرداً، وقد يحذف الياء أيضاً))([13]) كما يقال قرشي لمن انتسب لقريش.
والمعروف في مصادر الفريقين أن النبي (’) كنّى أمير المؤمنين (×) بأبي تراب في غزوة العشيرة قبل معركة بدر بأربعة أشهر، روى عمار بن ياسر قال: (كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، فقال لي علي: هل لك يا أبا اليقظان في هذا النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون: فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم، فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه، فوالله ما هبنا إلا رسول الله (’) فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذٍ قال رسول الله (|) لعلي (×): يا أبا تراب، لما عليه من التراب، فقال: ألا أخبركم بأشقى الناس؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع رسول الله (|) يده على رأسه - حتى يبل منها هذه - ووضع يده على لحيته)([14]).
وقد نظم الشاعر المجيد عبد الباقي العمري الأفندي بهذه المنقبة لعلي (×) بأبيات قال فيها:
يا أبا الاوصياء أنت لطه |
|
صهره وابن عمه وأخوهُ |
ان لله في معانيك سرَّا |
|
أكثر العالمين ما علموهُ |
أنت ثاني الآباء في منتهى الدو |
|
رو آباؤه تعدَّ بنوهُ |
خلق الله آدما من تراب |
|
فهو ابن له وأنت أبوهُ([15]) |
أقول: نقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج وقال: ((فكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون النبي (’) كناه بها وكان أعداؤه من بني أمية وأتباعهم لا يطلقون عليه غيرها كأنهم يعيّرونه بها مع أنها موضع الفخر ودعوا خطباءهم أن يسبوه بها على المنابر وجعلوها نقيصة له فكأنما كسوه بها الحلي والحلل كما قال الحسن البصري))([16]).
أقول: لقد سنّ عثمان لهم هذا الطعن في علي (×) فقد ورد في قضية الصحابي الجليل أبي ذر (رضوان الله تعالى عليه) أنه (جاء علي (×) فقال له عثمان: ألا تغني عنا سفيهك هذا. قال: أي سفيه؟ قال: أبو ذر. قال علي (×): ليس بسفيه، سمعت رسول الله (’) يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون، {وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} (غافر:28). قال عثمان: التراب في فيك. قال علي (×): بل التراب في فيك، أنشد بالله من سمع رسول الله (’) يقول ذلك لأبي ذر، فقام أبو هريرة وعشرة فشهدوا بذلك، فولى علي (×))([17]).
وقد حرف حسّاد أمير المؤمنين (×) وأعداؤه مناقب أمير المؤمنين (×)، تارةً بنسبتها إلى غيره كولادته في جوف الكعبة، وتارةً بتحريفها لتكون مثلبة كافترائهم إغضابه للزهراء (÷) بخِطبة بنت أبي جهل، وهذا ما حصل في هذه القضية، قال ابن هشام في سيرته بعد أن ذكر رواية عمار بن ياسر المتقدمة وهي الصحيحة التي رواها الفريقان ((وقد حدثني بعض أهل العلم: أن رسول الله(’) إنما سمّى علياً أبا تراب: أنه كان إذا عتب على فاطمة (÷) في شيء لم يكلمها، ولم يقل لها شيئاً تكرهه، ألا أنه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه، قال: فكان رسول الله (’) إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة، فيقول (’): ما لك يا أبا تراب؟ فالله أعلم أي ذلك كان))([18]).
أقول: وزاد البخاري بأن علياً (×) ((كان قد خرج إلى المسجد مغاضباً لفاطمة فوجده رسول الله (’) نائماً وقد ترب جنبه، فجعل يمسح التراب عن جنبه ويقول: قم يا أبا تراب))([19]) فكأنهم أرادوا أن يقولوا أن علياً (×) كان أيضاً يؤذي فاطمة وليس الشيخان فقط، وأن فاطمة (÷) كانت تغضب علياً (×) وليس فقط عائشة وحفصة تغضبان رسول الله (’).
لكن كذب هذه الأحاديث واضح فإن الحياة الزوجية بين أمير المؤمنين وفاطمة (‘) أطهر وأسمى وأنقى من هذه التفاهات؛ لأنها مبنية على المعرفة التامة لكل منهما بمقام الآخر، وكلاهما من أهل بيت العصمة الذين طهرهم الله تعالى من كل رجس وخطأ وزلل، وقد كذّب أمير المؤمنين (×) هذه الأحاديث الموضوعة، فقد قال في حق الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (÷): (فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان)([20]).
مضافاً إلى أن الطبري رواه في تاريخه خالياً من إغضاب فاطمة (÷) حيث روى أنه ((قيل لسهل بن سعد الساعدي أن بعض أمراء المدينة - وهو مروان بن الحكم- يريد أن يبعث إليك تسبُّ علياً عند المنبر، قال: أقول ماذا؟ قال: تقول أبا تراب، قال سهل: والله ما سماه بذلك إلا رسول الله (’)، قال: قلت وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال: دخل عليّ (×) على فاطمة(÷) ثم خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد، قال: ثم دخل رسول الله (’) على فاطمة فقال لها: أين أبن عمك؟ فقالت: هو ذلك مضطجع في المسجد، قال فجاءه رسول الله (’) فوجده قد سقط رداءه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: أجلس يا أبا تراب، فوالله ما سماه به إلا رسول الله (’) ووالله ما كان له اسم أحبُّ إليه منه))([21]).
أقول: رغم كذب روايتهم، إلا أنَّ فيها إقراراً منهم بعظمة وجلالة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (÷) عند أمير المؤمنين (×) بحيث لا يتفوه بكلمة عتاب إذا اختلف معها في قضية معينة.
وإذا أردنا حمل رواية سهل على معنى مقبول فإن علياً (×) لما دخل على فاطمة (÷) ورآها قد (مجلت يداها - من الطحن بالرحى-، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضر شديد)([22]) فأشفق على حالها وشعر بالانكسار لأنه زوجها وكان يريد لها حياة خالية من المتاعب والمصاعب، وعبّر عن ذلك بوضع التراب على رأسه كما هو معروف في حالات الحزن لأنه لا يرضى بأذى السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (÷) وإن كانت هي راضية طاعة لله تبارك وتعالى، وفي ذلك تربية للأزواج في احترام بعضهم، وتقدير جهودهم والاعتذار عن كل تقصير.
([1]) من درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف يوم الأربعاء 21/ربيع الأول/1446هـ- الموافق 25/9/2024م.
([2]) الكافي: 2/ 71/ ح12.
([3]) بحار الأنوار: 67/ 68, مرسلاً في عرض كلامه عن رسول الله (’) وكرره في 74/ 164.
([4]) كنز العمال - المتقي الهندي: 15/548/ح42123.
([5]) كتفسير الفخر الرازي والقرطبي والآلوسي.
([6]) بحار الأنوار: 74/ 264/ ح3.
([7]) تأريخ الطبري: 3/ 19.
([8]) روح البيان: 10/ 292 إسماعيل البروسوي (ت 1127)، طبعة دار إحياء التراث العربي.
([9]) وسائل الشيعة: ٢/ ٩٧٠.
([10]) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ٢٤/٢٦٢/ح19.
([11]) معاني الأخبار - الشيخ الصدوق: 118/ ح1.
([12]) علل الشرائع: ١/ 156/ ح2.
([13]) بحار الأنوار: 35/ 51.
([14]) بحار الأنوار: 19/ 188، سيرة ابن هشام: 2/ 177 دار الجيل، تاريخ الطبري: 2/ 262 حوادث السنة الثانية، البداية والنهاية: 3/ 247، مسند أحمد: 4/ 263، مستدرك الحاكم: 3/ 140، أنساب الأشراف: 2/ 90 وغيرها من مصادر العامة.
([15]) الباقيات الصالحات: ديوان الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي: ص 46، ط. دار الشريف الرضي.
([16]) شرح نهج البلاغة: 1/ 12.
([17]) الأمالي للشيخ الطوسي: ٧١٠.
([18]) سيرة ابن هشام: 2/177 ط. دار الجيل.
([19]) هو حديث سهل بن سعد الآتي روي بعدة طرق باختلاف يسير في الألفاظ.
([20]) مناقب الخوارزمي: 256، كشف الغمة: 1/ 363، بحار الأنوار: 43/ 134.
([21]) تاريخ الطبري: 2/62 حوادث السنة الثانية.
([22]) من لا يحضره الفقيه: 1/321.