خطاب المرحلة (759) بشارة الكتب السماوية والأنبياء السابقين (ص) بالنبي الأكرم محمد (ص)

| |عدد القراءات : 4
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بشارة الكتب السماوية والأنبياء السابقين (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) بالنبي الأكرم محمد (’)([1])

قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (الصف:6).

الحمد هو الثناء على من عنده فضيلة أو منقبة أو مكرمة أو صفة يحمد عليها على نحو التعظيم، وهو مقابل الذم، ويختص بالأمور الاختيارية كحسن الخلق والشجاعة والكرم وفعل المعروف، فهو أخص من المدح الذي يكون في الأمور الاختيارية وغير الاختيارية كصباحة الوجه، وهو أعم من الشكر الذي هو ثناء يجازى به صنيع حسن قُدِّمَ له أو نعمة تفضّل بها عليه - كما في مفردات الراغب والفروق لابن هلال وغيرهما-.

وقيل: إن الشكر يمكن أن يكون أعم من الحمد بلحاظ مورده وكيفيته، قال الجزائري: ((فالحمد أعم مطلقاً لأنه يعم النعمة وغيرها، وأخصّ مورداً إذ هو باللسان فقط، والشكر بالعكس إذ متعلقه النعمة فقط، ومورده اللسان وغيره، فبينهما عموم وخصوص من وجه، فهما يتصادقان في الثناء باللسان على الإحسان، ويتفارقان في صدق الحمد فقط على النعت بالعلم مثلاً، وصدق الشكر فقط على المحبة بالجنان لأجل الإحسان))([2]).

أقول: وفيه تأمل: فإن الحمد لا يختص باللسان، ويصدق على القول والفعل، والحال كالتخلق بأخلاق الله تعالى والتحلي بالكمالات([3]).

فـ(أحمد) مشتق من الحمد، وهو اسم للنبي (’) وهو أيضاً صفة له على نحو اسم التفضيل تعبّر عن استحقاقه الحمد والثناء لخصاله الكريمة وأفعاله المحمودة، كما أن (محمد) اسم له (’) وهو بنفس الوقت وصف له على شكل صيغة مبالغة لكثرة ما يحمد فيه، وقد سماه به جدّه عبد المطلب وأطعم قريشاً في يوم مولده وقالوا له: (ما سميت ابنك هذا؟ قال: سميته محمداً، قالوا: ما هذا من أسماء آبائك، قال: أردت أن يحمد في السماوات والأرض)([4]).

وذكر السيد المسيح (صلوات الله وسلامه عليه) هذا الاسم للتعبير عن كونه (’) أفضل منه ومن جميع الأنبياء السابقين وأولى بالحمد منهم، وإلا لا يكون للبشرى معنى إذا لم يكن كذلك، وذكر جمع من المفسرين أن له وجهين:

1-     أنه مبالغة من الفاعل أي الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) كلهم حمّادون لله عز وجل وهو أكثرهم حمداً لله تعالى.

2-     أنه مبالغة من المفعول، أي أن الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة، وهو أكثر مبالغة وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد عليها([5]).

وقد بشّر الأنبياء السابقون (صلوات الله عليهم أجمعين) بالنبي (’) ومنهم الرسولان الكريمان موسى وعيسى(صلوات الله وسلامه عليهما) في التوراة والإنجيل، روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن الإمام الباقر (×) قال في حديث طويل (فلما نزلت التوراة على موسى (×) بشر بمحمد (’) وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى يوشع بن نون (×) وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد (’) حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشر بمحمد (’) وذلك قوله تعالى: {..يَجِدُونَهُ (يعني اليهود والنصارى) مَكْتُوباً (يعني صفة محمد (’) عِندَهُمْ (يعني) فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ..} (الأعراف:157), وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} وبشر موسى وعيسى بمحمد (’) كما بشر الأنبياء (^) بعضهم ببعض حتى بلغت محمداً (’)([6]).

وتصرح الآية الكريمة بأن خلاصة رسالة السيد المسيح (×) أمران: تصديق التوراة والبشارة بالنبي الأكرم محمد (’)، وكأنه (×) حلقة الوصل بين الرسالات، وأن الدين الذي عليه الأنبياء جميعاً واحد وهو الإسلام.

ولما كانت البشرى تعني حصول المبشَّر على خيرٍ يسرّه، فإن تعبير السيد المسيح (×) فيه إشارة بالغة إلى كمال دين الإسلام وما يجلبه لأتباعه من الخير والسعادة في الدارين، وهيمنته على جميع الأديان، فيجب على من يدركه أن يتبعه.

والظاهر أن البشارة بالنبي (’) كانت صريحة وواضحة في الأناجيل الموجودة في زمن النبي (’)، وإلا كانت أبلغ حجة لهم في تكذيب ما جاء به النبي (’) خصوصاً نصارى نجران الذين باهلوا النبي (’) لكنهم انسحبوا مهزومين وكانوا يبحثون عن أي شيء يدينونه به وقد ذكّرهم القرآن الكريم بهذه الحقيقة في أكثر من آية، كقوله تعالى: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (الأعراف:157) وقوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة:146) ولم ينقل لنا التاريخ أن أحداً منهم كذّب هذه الحقيقة بل إن بعضهم أسلم حينما سمع بها كعبد الله بن سلام وغيره، روى القمي في تفسيره الآية السابقة (إن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: هل تعرفون محمداً في كتابكم؟ قال: نعم والله نعرفه بالنعت الذي نعته الله لنا إذا رأيناه فيكم، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان، والذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني، قال الله: {خَسـِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأنعام:20))([7]).

فخلوّ بعض الأناجيل المحرَّفة الموجودة اليوم من ذكر النبي (’) لا يضرّ بصدق نقل القرآن الكريم لهذه الحقيقة، روى الشيخ الصدوق في كتابه العيون بإسناده إلى صفوان بن يحيى قال: (سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا (×) فاستأذنته في ذلك، فقال (×): أدخله عليّ، فلما دخل عليه قبّل بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا، ثم قال: أصلحك الله ما تقول في فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون؟ قال: الدعوى لهم قال: فادّعت فرقة أخرى دعوى فلم يجدوا شهوداً من غيرهم؟ قال: لا شيء لهم، قال: فإنا نحن ادعينا أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها فوافقنا على ذلك المسلمون وادعى المسلمون أن محمداً نبي فلم نتابعهم عليه، وما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه، فقال له الرضا (×): ما اسمك؟ قال: يوحنا، قال: يا يوحنا إنا آمنّا بعيسى بن مريم (×) روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمد (’) ويبشّر به ويقرّ على نفسه أنه عبد مربوب، فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد (’) وبشّر به ولا هو الذي أقرّ لله عز وجل بالعبودية والربوبية فنحن منه براء، فأين اجتمعنا؟! فقام وقال لصفوان بن يحيى: قمْ فما كان أغنانا عن هذا المجلس)([8]).

وقد وردت في إنجيل برنابا بطبعته المعرّبة([9]) أخيراً، الفصل 97 قال الله (اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً، ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً)([10]) وفي فصل 220 (وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله).

ووردت نصوص أخرى في إنجيل يوحنا (الأبواب 16،15،14 يذكر فيها البشرى ببعثة الفارقليط ويقال إن أصل هذه الكلمة باليوناني (پيرِكلتوس) ومعناها الأحمد وهو الممدوح والمجلّل كثيراً كما في دائرة المعارف الفرنسية([11])، وهو -كثير الحمد)([12])، ففي الإصحاح الخامس عشر (وأما الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي ويعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء وهو يذكّركم ما قلت لكم) (وإني قد خبّرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنون)([13])، قال في دائرة المعارف الفرنسية: (لكنهم وضعوا بدلاً عنها لفظ (پاراكلتوس) اشتباهاً، حيث ترجمت في الطبعات العربية بـ(المعين) فورد في إنجيل يوحنا (وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معيناً آخر ليمكث معكم إلى الأبد)([14]) وجاء في الباب الذي بعده (ومتى جاء المعين الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي)([15]).

ومن خلال هذه البشرى يعلّمنا السيد المسيح دروساً أخلاقية في الإنصاف والموضوعية وقول الحقيقة والاعتراف للآخرين بالفضل وعدم التحاسد.

وكان النبي (’) معروفاً بالاسمين منذ ولادته، وروى الحلبي في السيرة النبوية أن جده عبد المطلب سمّاه محمد وسمّته أمّه أحمد([16]).

وقد ضَمّن أبو طالب (رضوان الله تعالى عليه) عم النبي (’) هذا الاسم في شعره الداعي إلى نصرة رسول الله (’) ومن ذلك قوله:

وقالوا لأحمدَ أنت امرؤ

 

خلوف اللسان ضعيف السبب([17])

ألا إن أحمد قد جاءهم

 

بـحقٍ ولـم يأتــهم بالكـــذب

وقوله مخاطباً الحمزة والعباس وجعفراً وعلياً (×) يوصيهم بنصرة النبي (’):

كونوا فدى لكم أمي وما ولدت      في نصر أحمد دون الناس أتراسا([18])

وقوله في بشارة الأنبياء السابقين:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً        نبياً كموسى خُطّ في أول الكتب([19])

وأجابه ولده علي بن أبي طالب (×):

أتأمرني بالصبر في نصر أحمـدٍ      ووالله ما قلت الــذي قلتُ جازعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمدٍ     نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا([20])

وذكر ذلك جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) لملك الحبشة قال: (إن الله بعث فينا رسوله، وهو الرسول الذي بشّر به عيسى بن مريم {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ})([21]).

ونظم جدّي المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي هذه البشائر في قصيدته بمناسبة المولد النبوي الشريف ومنها قوله:

نطقت به التوراة قبل وبشرَّ       الانجيــــل فيه وصدّق الفرقان

صدعت به الرسل الكرام        ودينه جاءت مبشرة به الأديان([22])


 



([1]) قبس من نور القرآن في درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم الأربعاء 12/ربيع الثاني/ 1446هـ- الموافق 16/10/2024م.

([2]) فروق اللغات لنور الدين الجزائري (ت1158): 89 بواسطة المعجم: 13/ 749.

([3]) ممن ذكر ذلك الجرجاني (ت 816) في التعريفات: 41 بواسطة المعجم: 13/ 747.

([4]) المعجم في فقه لغة القرآن: 13/ 740، عن ابن دريد صاحب الجمهرة، وأورده في البداية والنهاية لابن كثير: 3/ 381 بلفظ يختلف (يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال: سميته محمداً، قالوا: فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء، وخلقه في الأرض).

ونقل المعجم عن عدة مصادر أن أشخاصاً سمّوا محمداً وأحمداً في الجاهلية قبل ولادة النبي ()، وأنا استبعد ذلك وإنما هو من وضع الحسّاد، ولو كان هذا الاسم معروفاً لكان بنو هاشم أولى به فكيف تقول قريش لعبد المطلب: ما هذا من أسماء آبائك، ولو سلمناه فإنهم أخذوه من بشارات أهل الكتاب بالنبي () وإخبارهم بقرب زمانه فتفاءلوا أن يكون ابنهم هو الموعود، قال ابن هشام: ((لا يُعرَف في العرب من تسمّى بهذا الاسم قبله () إلا ثلاثة، طمع آباؤهم - حين سمعوا بذكر محمد () وبقرب زمانه، وأنه يبعث في الحجاز - أن يكون ولداً لهم)) (السيرة النبوية: 1/ 158).

([5]) مجمع البيان: 9/ 249، ونقلها في المعجم: 13/775 عن البغوي في معالم التنزيل: 5/80 والميبدي في كشف الأسرار: 10/87 والفخر الرازي: 29/ 313.

([6]) الكافي: 8/ 117، كمال الدين: 213/ ح2، البرهان: 9/ 288/ ح2.

([7]) تفسير القمي: 182، بحار الأنوار: 15/ 180/ ح2.

([8]) عيون أخبار الرضا: 2/ 254، باب56/ ح1.

([9]) نقل المرحوم الصادقي في (تفسير الفرقان: 28/ 215 النصوص الأصلية بالسريانية المترجمة عن الأصل اليوناني مع تفاصيل تاريخية وله كتاب بعنوان (رسول الإسلام في الكتب السماوية).

([10]) نقلناها بواسطة التحقيق في كلمات القرآن الكريم: 2/ 330 وقال عن هذا الإنجيل: ((وهو من أحسن الكتب في المعارف والأخلاق ولطائف الحقائق الإلهية)).

([11]) المترجمة: 23/ 4176 نقلها عنه في تفسير الأمثل: 14/ 161.

([12]) نقلناها بواسطة (التحقيق في كلمات القرآن الكريم: 2/ 329).

([13]) نقلت جملة من التفاسير هذه النصوص ومنها تفسير الفخر الرازي: 29/ 313 والمعجم: 13/ 775.

([14]) تفسير النور: 9/ 594، عن إنجيل يوحنا، باب 14، جملة 16، وفي تفسير الأمثل والتحقيق ترجمت إلى الفارسية بالمعزّي والمسلّي.

([15]) إنجيل يوحنا، باب 15، جملة 26.

ولعل العبارة الأخيرة هي ما ذكره الإمام الرضا (×) للجاثليق من الإنجيل قال (×): (يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى (×): إني ذاهب إلى ربكم وربي، والبار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له) (عيون أخبار الرضا: 1/ 145).

([16]) السيرة الحلبية: 1/ 93- 100.

([17]) تفسير مجمع البيان: 4/ 445، أورده ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: 14/ 61.

([18]) تفسير مجمع البيان: 4/ 29-33.

([19]) تفسير مجمع البيان: 4/ 29-33.

([20]) الغدير: 7/ 358، الأمثل: 14/ 163.

([21]) الدر المنثور: 8/ 148.

([22]) ديوان الذخائر: 5.