مسؤولية الكلمة

| |عدد القراءات : 1614
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مسؤولية الكلمة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان علّمه البيان وصلّى الله على سيد خلقه المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

(الكلمة ) من أوسع القنوات الموصلة الى رضا الله تبارك وتعالى فمن خلالها تكون النصيحة وبها تتم الموعظة وتجري الهداية ويتحقق الإصلاح وينتشر العلم والمعرفة وتُبنى الحضارة وتتقدم الانسانية وتتكامل التربية فهي وعاء لهذه الطاعات العظيمة وغيرها لذلك جاء رجل الى الامام (ع) وسأله: هل الكلام افضل ام السكوت؟ ففهم الامام من حاله انه واقع في شبهة ان السكوت واعتزال الناس ومقاطعتهم افضل لما بلغه من الاحاديث الشريفة التي تحثّ على السكوت وقلّة الكلام فبيّن له الإمام (ع) أن الكلام إذا كان خالياً من السوء والفحشاء فهو أفضل بالتأكيد وقال له: وهل بُعثَ الانبياء إلا بالكلام، قال تعالى: (لاخير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس) حتى عُدّت (الكلمة الطيبة صدقة) في بعض الاحاديث وفي المقابل فإن الكلمة السيئة لها ضرر بليغ ومدمّر وإن كثيراً من الكبائر التي وعد الله بها النار مرتبطة بالكلمة كالغيبة والنميمة والبهتان والكذب والافتراء والسب والشتم والايذاء وإشاعة الفاحشة وغيرها لذا ورد في الحديث (وهل يدخل الناس النار إلا حصائد ألسنتهم) وألّف العلماء والمربّون والأخلاقيون كتباً في (آفات اللسان).

 

لذلك خصص المشرع الأقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب هذه الكلمة وتوجيهها لتكون نافعة بنّـاءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة (مَثَلُ كلمةٍ طيبة كشجرةٍ طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكُلها كل حينٍ بإذن ربها) وحذر من ضرر الكلمة الخبيثة (ومَثَلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار) وحذر من مغبّة الكلمة الضارة فمثلا اعتبر من يقول ولو شطر كلمة في المشرق فقُتل بها شخص في المغرب اعتبره قاتلاً كما يفعل اليوم صناع ثقافة التكفير والقتل والظلم والعدوان فيطيعهم وينخدع بضلالاتهم شخص في المشرق او المغرب ويقوم بعملية اجرامية يكون وزرها الاول على صانع هذه الثقافة.

 

فاذا استشعرنا هذه الاهمية فإن هذا الشعور سينظّم برامج التعامل مع الكلمة وسيراقبها ويتحكم بها فإن الكلمة في وثاقك وتحت سيطرتك ما دمت لم تطلقْها فإذا اطلقتها فستكون أنت في وثاقها وتتحمل تبعتها ومسؤوليتها وكم شخص ذهب ضحية الكلمة سواء في الدنيا أو في الآخرة كقاضي القضاة للمعتصم العباسي الذي وشى بالامام الجواد (ع) وهو يعلم ان ذلك سيخلّده في النار كما قال هو نفسه.

 

ونحن اليوم نشهد ثورة معلوماتية هائلة وتكنولوجيا اتصالات عظيمة لم تحلم بها البشرية من قبل تفتح لنا الأبواب الواسعة لايصال خطاب السلام والسعادة للبشرية ولم يعد الطغاة قادرين على حبس الكلمة ومنع وصولها الى الناس كما كانوا يفعلون عبر التاريخ ولسانهم واحد (ما أريكم إلا ما أرى) واضطر الاسلام لحمل السيف في وجوه هؤلاء الطغاة ليحرّر شعوبهم من عبادتهم ويترك لهم الخيار في اعتناق العقيدة التي يقتنعون بها تحت شعار (لا إكراه في الدين) و (ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بينة) و(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) وشجّع الحوار وثقافة الرأي الآخر (قل هاتوا برهانكم ) (ولا تجاودلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) (ادعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). كما ننا نعيش بفضل الله تبارك وتعالى فرصة عظيمة لايصال الكلمة الطيبة الى مسامع العالم التوّاق للسلام والسعادة والخير بعد ان فشلت امامه كل الايديولوجيات وبعد ان فشل غير اتباع اهل البيت (ع) في عرض الاسلام بشكله الصحيح مما اوجب نفوراً وارتداداً لدى معتنقيه فالعالم كله ينتظر منكم يا اتباع اهل البيت (ع) ان تعكسوا لهم الصورة النقية الناصعة للاسلام المملوءة بالرحمة وحب الخير والسلام والطمأنينة لكل البشر.

 

وقد مرّت علينا عقود من سنيّ الكبت وسلب الحرّيات والحجر على الكلام وقد أزاله الله تعالى ليبلوَنا أنشكر ونؤدي حق هذه النعمة أم نكفر والعياذ بالله ونسيئ استخدام هذه الحرية.

 

فهذه عوامل ثلاثة:

 

1 ـ وسائل الاتصالات المتطورة.

 

2 ـ فشل الايديولوجيات في تحقيق السعادة للبشرية وتوفير الامن والسلام والطمأنينة لها.

 

3 ـ توفر الحرية الكاملة لممارسة الدعوة الى الله تبارك وتعالى والحق والهداية والصلاح.

 

تضاعف علينا مسؤولية استثمار (الكلمة) في أداء الرسالة التي ائتمنا الله تبارك وتعالى وقبلنا حملها بعد أن اعتذرت السماوات والأرض وسائر المخلوقات عن حملها (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبَينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.

 

واعتقد ان (اذاعة البلاد) من المؤسسات التي تعمل على نشر الكلمة الطيبة وأمامها مجال واسع لترسيخ مبادئ الانسانية ومُثُلها العليا فبوركت جهودكم وشكر الله سعيكم.

 

 

 

 

محمد اليعقوبي