الفقه والمجتمع (من فقه طلبة الجامعات)

| |عدد القراءات : 1946
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الفقه والمجتمع 18 

 

من فقه طلبة الجامعات  

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

صدر قبل عدة سنوات وفي ظل البطش الصّدامي كتاب( فقه طلبة الجامعات) لسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) وقد أحدث نقلة كبيرة في الحركة الإسلامية لطلبة الجامعات واستنسخت الآلاف من اسخ الكتاب ولاستمرار الحاجة إلى تلك الأفكار  الرائدة نحاول إعادة نشر تلك الحوارية على شكل حلقات بعد إعادة النظر فيها واختيار ما هو مناسب لظروفنا الراهنة وإضافة ما استجد مع تغير التحديات وستكون هذه الحلقات بإذن الله تعالى منبراً للأساتذة وطلبة الجامعات كي يعرضوا مشاكلهم ومقترحاتهم وأفكارهم لنساهم جميعاً في الارتقاء بمستوى جامعاتنا وبناء جيل كفء واع ملتزم بمبادئه الدينية والاجتماعية والوطنية ومخلص لدينه وبلده وأمته.

 

س1: نقل عنكم وجود فرق بين ماضي الجامعة الذي عشتموه طالباً قبل ربع قرن وحاضرها ، ما هو الفرق في أساليب التحديات التي يمارسها الأعداء بين الماضي والحاضر؟

 

ج: كنا في زمان يُنظر  فيه إلى المتديّن على أنه رجعي ومتخلف وكان هذا الضغط الاجتماعي مضافاً إلى الضغوط الأخرى كبطش جلاوزة صدام وعملهم بسياسة ( إحبس على الظنة وأقتل على التهمة ) كانت كافية لتخلي الكثير عن التدّين بل دفعتهم ـ من أجل إبعاد تهمة الالتزام بالدين ـ إلى حضور بعض مجالس الفسق أو التظاهر بتصرفات البعيدين عن الدين ونجح الأعداء في صرف الناس عن الدين أما اليوم فقد اتسعت الحركة الإسلامية بفضل جهود وتضحيات العلماء والفضلاء والشباب الرسالي وعلى رأسهم المراجع العظام وأصبح التيار الديني طاغياً في كل شرائح المجتمع ولكن العداء لم يقطعوا الأمل بل غيَّروا الأساليب إلى عدم مواجهة التيار الديني مباشرة وإنما مسايرته وإظهار قبوله والتماشي معه ثم تفريغ الدين من محتواه وجوهره الحقيقي والإبقاء على شكلياته ومظاهره فلم يمانعوا من الحجاب ولكن على الطريقة الفرنسية!! ولا بأس عندهم باختلاط المنافي للعفة والحياء! ومن الضروري إحياء الحفلات الداعرة!! أما النوادي فتكرس للغناء والرقص!!، أما العلم فآخر ما نفكّر فيه ( وله أهله)، فما جئنا له بل لنلهو!!، ونتمتع!! وهكذا أصبح الفكر السائد لدى بعض طلبة الجامعات من الجنسين بفعل ما زرعه الأعداء فينا، وبثه لأساليب اللهو والمجون بين صفوفنا، وغاية ما يفكر فيه الطالب هو نيل الشهادة لأغراض دنيوية، أما السعادة والرخاء والحياة الكريمة له والقيام بوظائف خلافة الله في الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)( البقرة/30) فهذا مما لا يخطر على بال احد إلا من عصم الله.

 

س2: باعتبار أن الجامعة جو جديد على الطلبة من خريجي الإعدادية الأكاديمية والمهنية، ويوجد بعض الطلبة ضعيفي الإيمان مما يؤدي إلى الضياع العقائدي والديني.

 

فهل يشكل انضمامهم  على الجامعات حرمة تشريعية؟

 

ج: إن وجود تيارات فكرية مخالفة للإسلام في الجامعات لا يعني الانسحاب من هذه الأوساط العلمية المهمة فإن الخطر       لا يدفع بدفن الرأس في التراب كما تفعل النعامة في المثل المشهور وإنما الواجب هو التسلح بالعلم والمعرفة والإيمان والشجاعة لمواجهة هذه الأفكار المنحرفة كما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): (( إذا هبتَ أمراً فقع فيه))والهدف من مواجهتها ليس المِراء والجدال وتحقيق نشوة الانتصار فهذه أهداف متدنية  لا يبتغيها المؤمن وإنما الهدف هو نيل رضا الله تبارك وتعالى والدفاع عن دينه القويم وإصلاح المجتمع وإنقاذ أفراده من مخالب القوى الشيطانية.

 

أما الإنسان الضعيف الذي يخشى على نفسه من الوقوع في الانحراف  فله احد تصرفين: إما أن يصم أذنيه عن سماع ما يخالف عقائده  وثوابته الأخلاقية والاجتماعية ويكتفي بإيمانه الإجمالي فإذا نوقش فيه فليوكل كل الأمور إلى أهل الاختصاص فإذا خشي أن تتأثر عقيدته وتنحرف ولم يستطع الصمود والاحتفاظ حتى بهذا الإيمان الإجمالي فيجب عليه الانسحاب وعدم توريطه في الفتنة عن الدين وهي أشد وأكبر عند الله من القتل. كما في الآية الشريفة.

 

س3: يلاحظ وجود الفراغ في مسالة العقائد الإسلامية لدى الطلبة الجامعيين مما جعل من الجامعة الأرض الخصبة لاستقبال كثير من الأفكار المسمومة والعقائد الفاسدة التي تؤدي إلى هدم الدين بصورة عامة والمذهب بصورة خاصة بجهود مكثفة من قبل العديد من الحركات والأحزاب والمؤسسات تحت واجهات  مختلفة، فبماذا تنصحون أبناءكم الطلبة لمواجهة هذه التحديات.

 

ج: إن الجهل أساس مشاكلنا وما أوتينا إلا من جهة جهلنا وقد كان الأئمة يحثون على طلب العلم والمعرفة بالعقائد وأمور الدين ففي الحديث: (( ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين)) ، وفي الحديث : (( أفٍ لرجل لا يفرّغ نفسه كل جمعة ساعة ليتفقه في الدين)) فيصل الاهتمام حد الضرب بالسياط لدفعهم إلى التعلم والمعرفة واعتقد أن ساعة واحدة أسبوعياً  ممكنة جداً لأي فرد مهما كانت مشاغله كثيرة يفرّغ فيها نفسه للتفقه والتعلم بالأسلوب المناسب له كقراءة الكتب النافعة أو اللقاء مع علماء الدين والتزود منهم أو الاستماع إلى خطبة من احد العلماء وأئمة الجماعة.

 

وفي تفسير قوله تعالى: (فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) تجد عدم العذر لأي شخص يدّعي عدم العلم لأن الله سبحانه قد ألقى الحجة عليه بإرسال الأنبياء (عليهم السلام) وتنزيل الكتب ونصب الأئمة (عليهم السلام) وورثهم من علماء الدين المخلصين.

 

وقد ورد من الفضل والثواب العظيم في طلب العلم وتحصيله مالا يمكن تفويته ( راجع الكافي / كتاب العلم) فمن الواجب على كل مسلم أن يتعلم عقائده والأدلة عليها ولو بشكل مبسط والدفاع عن الشبهات الموجهة إلى الدين والمذهب وأن يتعلم أساسيات التشريع والمسائل التي يتعرض غليها بكثرة وهذا هو الحد الأدنى من الواجب الذي لا يعذر فيه الإنسان ويعاقب على تركه.

 

ولو تسلحنا بالعلم والمعرفة ولو بأدنى مراتبها سنجد أعداءنا بكل ما يصورون أنفسهم من الهالة الكبيرة هم أوهن وأضعف من بيت العنكبوت كما وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم.

 

س4: ظهرت في الآونة الأخيرة بعض العبارات لا يعلم مصدرها ومنها(ماذا تفعل بالشهادة؟) و( ماذا يكون عائدها المالي بعد التخرج؟) مما أدى إلى وجود الإحباط   النفسي والعلمي وعزوف كثير من الطلبة عن إكمال الدراسة. فبماذا تردون على مثل هكذا نوع من العبارات المدسوسة؟

 

ج: هذه الأفكار من دسائس أعدائنا وإلا فإن العلم لم يطلب للتكسب به وإن حصل ذلك عرضاً، وإنما يطلب العلم لبناء النفس والمجتمع فهل أن شخصية المتعلم كشخصية الجاهل وهل أن نضج حامل الشهادة كنضج المحروم منها، وهل أن الحياة يبنيها الجهّال  أم العلماء؟( في مختلف الاختصاصات)؟ فلو فرضنا أنه لا يعمل بموجب الاختصاص الذي حصل عليه لكن هذا لا يلغي الآثار الإيجابية التي تركت بصماتها على شخصيته الذهنية والنفسية وقدرته على البناء والتغيير، وببساطة أسال هؤلاء لو أن الإمام المهدي أرواحنا له الفداء قدّر له الظهور فأيهما أكثر سروراً لقلبه أن يجد مجتمعاً مثقفاً حاملاً لشهادات بمختلف الاختصاصات حتى يوزع عليهم المسؤوليات أم يجد مجتمعاً جاهلاً لا يحسن شيئاً؟ فليكن طلبكم للعلم بهدف  الاستعداد لأن تكونوا عناصر صالحة في المجتمع ونافعة له سواء أتيحت لكم الفرصة أم لا فما عليك إلا أن توفر الاستعداد والقابلية في نفسك. أما إتاحة الفرصة للنفع أو عدمها فهذا أمر ليس بيدك ولا يكون مثبطاً لعزيمتك في تحصيل العلم.

 

س5: نرى الكثير من الطلبة الجامعيين من أبناء الأسر الثرية  الذين يجعلون المجتمع الجامعي  كمسرح لعرض الأزياء والتبرج والتفاخر بالأموال والسيارات الحديثة، ما أثر سلباً على الحالة النفسية للطلبة الفقراء من أبناء الأسر البسيطة أدى إلى انحرافهم عن جادة الحق. فما حكم تصرفات كلا النوعين من الطلبة في نظر الشارع المقدس؟

 

ج: إن من آداب الإسلام أن لا يغتر الإنسان ولا يطغى بما أنعم الله عليه ولا يستعملهما لإغاظة الآخرين وإثارة الحسد في نفوسهم وقد ضرب القرآن مثلاً في قصة قارون: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ.... َخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ...)، وقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو رئيس دولة مترامية الأطراف يلبس ويأكل كأضعف الناس فقيل له ذلك، فقال(عليه السلام): ( لكي لا يتبيّغ بالفقير فقره)، ويقول(عليه السلام): (أأقنع من نفسي أن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في جشوبة العيش  ولعل في الحجاز أوفي اليمامةـ أي البحرين وهو(عليه السلام) في الكوفةـ من لا عهد له بالشبع ولا طمع له في القرص) ومن آداب الإسلام أن لا تأكل شيئاً يراه أو يشمه الجار إذا كان غير قادر على تحصيله، ومن الممنوع أخلاقياً أن تتسبّب في (كسر) نفسية احد.فقد ورد في الحديث: (من كسر مؤمناً فعليه جبره) وعلى العكس من ذلك فقد أدّبنا الإسلام بالمواساة والمؤاخاة ومشاركة الآخرين، لذا ترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين المسلمين مرتين: مرة بين المهاجرين أنفسهم ومرة بين المهاجرين والأنصار فقاسموهم كل شيء حتى لو كان له رغيفان أعطى واحداً وأبقى الآخر. بل حثنا الإسلام على الإيثار وتفضيل الآخرين على النفس. قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). فإذا أنعم الله على  عبد نعمة فمن واجباتها الشكر وأهم مضامين الشكر أن يستعملها في طاعة الله لا معصيته فتكون نعمة عليه، وأما الفقير فلا بد من أن يتحلى بالصبر والقناعة بل لا بد أن يكون مسروراً لأن الله تعالى خفف عنه المسؤولية لأن أي نعمة تُعطى للعبد تُضيف له تكاليف وأعباء يكون مسؤولاً عنها، وخذ لذلك مثالاً في الدنيا   (أضابير الضرائب) فإنه كلما ازدادت أموال الفرد وعقاراته ومصادره الاقتصادية ازدادت ضريبته وطال وقوفه لدى الدائرة.

 

أما الفقير فما أيسر معاملته حيث أنه لا يملك شيئاً يحاسب عليه. وكذا يوم القيامة فيقال للفقراء ادخلوا الجنة بلا حساب، أما الغني فيحاسب عن كل دينار من أي مصدر اكتسبه وفي أي مورد أنفقه، فلو فرضنا أن جميع مصادره وموارد صرفه شرعية فإن طول الحساب في ذلك اليوم العصيب مشقة كبيرة، ثم ليعلم الفقير أن الخير ما اختاره الله سبحانه وهو العالم بما يصلح عباده وفي حديث قدسي ما مضمونه: ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فاجعله فقيراً ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى فأجعله غنياً ومنهم من لا يصلحه إلا السقم فاجعله سقيماً ومنهم من لا يصلحه إلا الصحة فأجعله صحيحاً... الخ). إضافة إلى أن في قليل الروابط بالدنيا راحة بال وفي زيادة العلائق بها شغلاً للبال وكفى بذلك عبئاً على صاحبه، فتجد قليل الروابط بالدنيا ينام.

--------------------

وسائل الشيعة ـ ابواب وجوب الحج، باب 51 ح10