الشباب الجامعي والدعوة الى الله تبارك وتعالى / خطاب المرحلة (119)
خطاب المرحلة (119)
الشباب الجامعي والدعوة الى الله تبارك وتعالى (*)
قبل ثلاثين عاما تقريبا كان وفد من الشباب الجامعي في زيارة للسيد الشهيد الصدر الاول (قده) فكان مما قال انكم افضل منا ، وقد تأثروا بكلامه واهتزت عواطفهم حماساً لكنهم لم يفهموا كيف يكونون هم افضل من افراد الحوزة العلمية الذين يكرّسون كل وقتهم لطلب العلم والتدريس والتأليف وحضور الاجتماعات الدينية والشعائر وقد شرح (قده) لهم المعنى بأننا نعيش في النجف والأماكن التي تتردد اليها: المسجد والروضة الحيدرية الشريفة والمدرسة الدينية وبيوت العلماء ، ففرص الانحراف والدعوة الى المعصية قليلة او نادرة فاذا كنا لا نشتغل بهذه الوظائف الحوزوية فماذا نصنع وبماذا نقضي وقتنا .
اما انتم يا طلبة الجامعات فمحاطون بأجواء الفساد والانحراف والضغط الشديد للتأثر بالمعاصي فالتزاكم بدينكم وسط هذه المعاناة وانتم في عنفوان الشباب وذروة اندفاعة النفس نحو اشباع الشهوات والمطامع.
وانا اتفق معه (قده) في الجملة أي من بعض الجهات والا فاننا على علم بوجود امراض قلبية ونفسية غير مرتبطة بالظروف يتعرض لها العلماء و طلبة العلوم الدينية وهي اكثر تأثيراً في البعد عن الله تعالى من تلك التي يتعرض لها الشباب من المعاصي الظاهرية .
وعلى أي حال فلأجل هذه المعاناة ورد ان الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب الذي ينشأ في طاعة الله تبارك وتعالى . وينجح في هذا الجهاد الاكبر – لأن الملائكة جبلت على الطاعة وعبادة الله ولا تتجاذبها نوازع الشر والفساد كما في الانسان حيث تحمل نفسه ميدانا لصراع مرير بين جنود الرحمن وجنود الشيطان.
فعمر الشباب فيه هذه الفرصة من الارتقاء والتكامل اذا لم يستثمرها الشاب وتجاوز الاربعين مثلي فانه لا يحضى بنفس العناية والمباركة ؟ولماذا لا يستثمرها الشاب ؟ وماذا يخسر لو اصبح ملتزماً بدينه طاهراً في سلوكه عفيفا في جوارحه ؟ انه لا يخسر شيئا فكل احتياطاته ونوازعه كالجنس والمال والجاه مكفولة له بطرق محلله ولم يخلق الله هذه الشهوات لتكون وبالاً بل خلقها رحمة وامتناناً ولمصالح تعود الى الشخص نفسه.
اتذكر ان السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) قال في احدى خطب الجمعة في الكوفة ما اصعب ان يبقى الانسان على طريق الاستقامة في خضمّ التحديات والصعوبات التي تواجهه والحاجات التي عليه تلبيتها ولكن ما ايسره بنفس الوقت لانه لا يحتاج الى اكثر من الارادة فاذا عزم وقويت ارادته هانت عليه كل المصاعب.
هذا بشكل عام و اما امثالكم من الشباب الرسالي الذين لا يكتفون باصلاح انفسهم وإنما يسعون لاصلاح مجتمعهم خصوصاً الوسط الجامعي المشحون بالاغراء و الفساد والانحراف فهذا يتطلب همما عالية وقد اطلعت على عدد من مشاريعكم الاصلاحية كاقامة حفلات التخرج الاسلامية في مقابل المهرجانات الصاخبة والماجنة التي تعود على اقامتها طلبة الصفوف المنتهية في الجامعات قبل تخرجهم وقد تضمنت احتفالاتكم برامج عفيفة وسامية .
انكم حينما تشكون من ضعف العمل الاسلامي في الجامعات فانه لا يدل على تقصير في جهودكم بقدر ما يعكس طبيعة الرسالي الذي لا يتوقف عمله حتى يرى كل الناس قد اهتدوا الى طريق الحق اسوة برسول الله (ص) الذي كان يتمنى صلاح كل البشرية وهو امر مستحيل عادة لأن بعض القلوب قاسية فهي كالحجارة او اشد قسوة وبعض الآذان صماء وبعض العيون عمياء لذا خفف الله تعالى من آلامه وطيب من خاطره في عدة آيات (فلعلك باخع – أي مهلك – لنفسك على اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا ) (لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء3
ولكن اوصيكم باتباع الحكمة في دعوتكم الى الله تبارك وتعالى والوسائل المناسبة التي تفتح قلب الآخر عقله ونتجنب طرق الاستفزاز و التي تدفع الاخر الى العناد والاستكبار .
ومن الاساليب المناسبة ان تستثير في الآخر كوامن الخير وتشيد بالخصال الكريمة فيه وان قلّت لأنه حتى الانسان الفاسق قد تجد عنده خصلة طيبة او اكثر كالرحمة بالآخرين او النخوة و الشهامة في مساعدتكم او الاستفزاز من ايذاء الناس او حب عمل الخير او الشجاعة في الدفاع عن الحرمات وهكذا . فعلينا ان نثني على هذه الجوانب الايجابية فيهم ولا نركز على الزجر والتوبيخ والازدراء والوعيد فننفرهم . فان قلة نادرة من البشر الذين هم شرّ محض ولا يحملون ولو صفة واحدة .
دخل واعظ على المأمون وتحدث بلهجة قاسية فقال له المأمون : لستُ شرا من فرعون الذي قال انا ربكم الاعلى ولا انت افضل من موسى كليم الله ومع ذلك أوصاه الله تعالى هو و أخاه هارون حينما دخلا على فرعون (فقولا له قولا ليّناً لعله يتذكر او يخشى ) .
وفي سيرة اهل البيت نجد نماذج لهذه الدعوة الطيبة كالذي فعله الامامان الحسن والحسين (عليهما السلام) حينما وجدا شيخا لا يحسن الوضوء فقالا له : يا عم نريد ان نتوضأ امامك وتحكم ايِّنا احسن وضوءاً ، فلما رأى وضوءهما قال : يا سيديَّ ان وضوءكما حسن ولكن عمّكما الذي لا يحسن الوضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد ( البيت الطلابي) الذين أقاموا حفلات التخرج الاسلامية في عدد من الجامعات العراقية في بغداد أواخر العام الدراسي 2006.