الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق / خطاب المرحلة (132)

| |عدد القراءات : 1884
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

خطاب المرحلة (132)

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق (*)

 

 

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ

 

إننا في العراق نشعر بجزيل الشكر والامتنان للسادة الذين عملوا بجد وإخلاص لتنظيم مؤتمر علماء الدين الإسلامي في مكة المكرمة من اجل حقن الدم العراقي الذي يسفك يوميا بلا مبرر ، ولقد أبلغت شكري هذا إلى السيد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي اتصل بي هاتفيا من جدة يدعوني لحضور هذا التجمع المبارك ونقلت له حرص المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف عاصمة العلم والفكر والسلام على إنجاح هذا المؤتمر وان يكون بداية النهاية لهذه الفتنة العمياء التي تعصف بالعراق.

 

أيها الأحبة المجتمعون في اشرف بقعة عند بيت الله الحرام وفي اشرف زمان وهي العشر الأواخر من شهر رمضان التي تتضمن ليلة هي عند الله خير من ألف شهر ، إننا وان كنا لم نحضر معكم بأبداننا إلا أن مشاعرنا وآمالنا متعلقة بكم وقد أرسلنا وفداً رفيع المستوى ليوقع على الوثيقة الصادرة عنكم وقد اطلعت على كل بنودها فوجدتها جامعة لخصال الخير والسلام والتسامح والاتفاق على بناء أسس الحياة الكريمة لذا فاني ألزم جميع العراقيين بالعمل بما ورد في الوثيقة الموقع عليها ولا يجوز لأي احد خرقها ومخالفتها ومن يفعل ذلك فانه ليس فقط يظلم نفسه وإنما يظلم أمته ويجب على كل الدول التي لها تاثير في أحداث العراق أن تلتزم بها لأن الفتنة إذا وقعت –لا سامح الله- فإنها لا تقتصر على المباشرين لها، قال تعالى (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) وهذا الحكم واجب الإتباع ليس فقط على أتباع المرجعية التي أصدرته وإنما على الجميع لأن من الثابت فقهياً إن حكم الحاكم الشرعي لا يجوز نقضه حتى لمجتهد غيره .

 

لقد بدأنا بمثل هذه الخطوة المباركة في محافظة البصرة قبل شهر رمضان المبارك وتنعّم بثمارها الطيبة كل أهل البصرة وشهد العدو والصديق بنجاحها في وقف العنف لأيمان الجميع بضرورة الالتزام بها، ونحن اليوم مدعوون إلى تعميمها إلى كل أنحاء العراق .

 

إن الشعب العراقي بكل طوائفه وأعراقه يطلب من حملة السلاح تحت أي مبرر كان عدا القوات الرسمية المسؤولة عن بسط الأمن وسيادة القانون إلى إلقائه من حين التوقيع على هذه الوثيقة المباركة حتى نعطي الفرصة للحوار وحل كل العقد التي أدت بنا إلى هذا الحال وقد كان عندي أمس السيد رئيس الوزراء وعبر بوضوح عن استعداده الكامل للتقدم في كل اتجاه يخرج العراق من محنته، وإذا كان عندكم مانع من الحوار مع البعض لسبب أو لآخر فأنا بخدمتكم وقلبي وعقلي مفتوح لكم ولا يوجد عندي ما يوجب صدودكم فأنا مسلم اشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأنا عربي أصيل يرجع نسبي إلى قبيلة الأوس الأنصارية التي آوت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ونصرته وأنا عراقي ولدت أنا وآبائي وأجدادي في النجف الأشرف وعشت محنة شعبي في كل مراحلها ولم أغادر بلدي وليس لأحد في الشرق ولا في الغرب تأثير علي ولا سلطان علي إلا الله تبارك وتعالى ولا اتبع إلا الحق ، ومواقفي الوطنية مشهودة وآخرها الوقوف بحزم ضد كل مشاريع تفتيت العراق وتجزئته تحت مختلف المسمّيات ويمكن التواصل معي مباشرة أو عبر الهاتف أو من خلال قنوات موثوقة وسأكون خير عون بلطف الله تبارك وتعالى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، فأتركوا السلاح جانباً وأعطوا فرصة للحوار لا تقل عن شهرين لتجتمع كل ألأطراف المعنية في موسم الحج المبارك وتدرس النتائج التي ستكون حتماً مباركة طيبة لأنها تحظى برعاية الله عظمت آلأوه .

 

إنكم بإلتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الإحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني وتفشلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً وتصور التقسيم وكأنّه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.

 

أيها الأخوة في الله تعالى:

 

إني أعلم وأنتم تعلمون أن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الازمنة السابقة وحتى الآن سنة وشيعة متآخين متحابين وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبَره سياسيون طامعون في السلطة والاثراء بغير حق (لا يرقبون فيكم إلاّ ولا ذمة) وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبئوا لمعركتهم هذه من يسير على غير هدى لذا لابد من الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش الا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً في شريعة سيد المرسلين.

 

أيها الأحبة :

 

إن الشعب العراقي متدين ومنصاع إلى علمائه وهذا من لطف الله تعالى بنا، فأستثمروا هذه الحالة لضبط حركته وتوجيهه نحو ما يصلح حاله ، وإذا لم نقم بواجبنا هذا فنحن مسؤولون أمام الله تعالى عن هذا التقصير والخذلان (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) وأذكر الجميع بالحديث النبوي الشريف (صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة : العلماء والأمراء). إن العلماء ورثة الأنبياء وكان الأنبياء خصوصاً نبيّنا العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين فلنكن كذلك رسل رحمة وسلام لكل البشر وليس لطائفة دون أخرى أو قومية دون أخرى.

 

محمد اليعقوبي

 

النجف الأشرف

 

25 / شهر رمضان / 1427 هـ

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(*) نص الخطاب الذي وجهه سماحة الشيخ اليعقوبي من خلال وسائل الإعلام إلى المشاركين في مؤتمر علماء الدين العراقيين من السنة والشيعة قبل عقده بيوم واحد وقد تم التوقيع على وثيقة مكة المكرمة مساء يوم الجمعة 26/رمضان/1427 الموافق 20/10/2006 في فندق مجاور للبيت الحرام.

 

وكاد المؤتمر أن يفشل بسبب عدم تمثيل المرجعيات الدينية ولكن التشجيع والدعم الذي حصل عليه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أيكميل الدين إحسان أوغلو خلال إتصاله الهاتفي مع سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 21/ رمضان / 1427 ووعد سماحته بإنجاح المؤتمر بكل ما يتيسر له و منها تأييد الوثيقة بهذا الخطاب القوي المحكم وبعث وفداً كبيراً ضم فضيلة الشيخ محمد الهنداوي والسيد حسين المرعبي نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي والشيخ علي القريشي والشيخ أحمد الكعبي ، وقام الوفد بتوزيع نسخ من الخطاب على كل الحاضرين .  وقد تلى مستشار الأمين العام فقرات مهمة من الخطاب على المشاركين في المؤتمر بعد التوقيع على الوثيقة .