أحسبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون / خطاب المرحلة (131)

| |عدد القراءات : 2102
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

خطاب المرحلة (131)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحسبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (1)

 

يوم العيد من أيام الله تعالى التي جاء فيها قوله تعالى (وذكّرهم بأيام الله) وهي من أيام قادة الإسلام العظام رسول الله (ص) والأئمة الطاهرين (ع) لذا كان من أعمال الأعياد قراءة دعاء الندبة الذي يستذكر الأنبياء والرسل والأئمة ثم يكرّس الجزء الأكبر لإمام العصر بقية الله الأعظم (عجّل الله فرجه) ليذكرنا بأن العيد الحقيقي انما هو حينما تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصرُ من يشاء وهو العزيز الرحيم) (الروم/4-5).

 

وليذكرنا أيضاً أن لا فرح ولا سرور والمصائب تتوالى على أولياء الله تبارك وتعالى وأهل طاعته والمتمسكين بحبل الله المتين، وها نحن في العراق نعيش عنتاً وشدة وكوارث يندر أن يمر بها شعب آخر من قطع الرؤوس والتمثيل بالأجساد وقتل النساء والأطفال وتدمير دور العبادة والمدارس وتخريب البلاد وكل مظاهر الحياة المتحضرة.

 

لذا يحسن بالمؤمنين أن يستذكروا إمامهم المنتظر دوماً وخصوصاً بالعيد ونتحدث اليوم عن واحدة من ألطافه ورعايته للأمة وهو دفع البلاء عنهم وتخفيف آلامهم وحمايتهم، روى أبو نصر الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال: أتعرفني؟ قلت: نعم، انت سيدي وابن سيدي. فقال: ليس عن هذا سألتك. فقلت: فسّر لي قال: أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي(2) . وورد في رسالته الشريفة الى الشيخ المفيد (قده): (نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم) (إنا غيرُ مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء)(3).

 

السبب الأول للبلاء :

 

وحينما نتساءل عن سبب كل هذا البلاء الذي يحل بالشعب العراقي فسيكون بعضها عائد الى نفس الناس.

 

روي عن ابي عبد الله (ع) قال (أما انه ليس من عِرقٍ يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرضٍ إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم قال: وما يعفو الله اكثر مما يأخذ به) وعن علي بن الحسين (ع) قال (نِعمَ الوجع الحمى يعطي كل عضو قسطه من البلاء ولا خير فيمن لا يبتلى)(4) وقد يشاهد الناس صنوفاً من البلاءات لم يكن يعهدوها من قبل وهذا ما يشرحه الحديث المروي عن الإمام الرضا (ع) قال (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)(5) وهذا الامر يتطلب مراجعة مستمرة للذات ومراقبة للعمل وعرضاً متواصلاً للسلوك على الشريعة لتجنب الخطأ والزلل فنزيل أصل البلاء وسبب استحقاقه وفي ذلك قال أمير المؤمنين (ان الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر) وليقدر الانسان النعم الإلهية فيعرف قدرها حينما يفقدها ليحاول استغلالها في المستقبل فيما فيه رضا الله سبحانه لكن الله يخبر عن غالب البشر انهم حينما تعود اليهم حالة الرخاء والدعة فإنهم ينسون حالة الحاجة والاضطرار (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65) وقال تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (التوبة:75-78) وحينئذٍ إذا كانت النعمة سبباً لشقاء الإنسان سيكون من المناسب بحال الانسان الرضا بحياة البلاء والمشقة وبهذا نفسر كلام الامام الصادق (ع) (لن تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة، وذلك ان الصبر على البلاء أفضل من الغفلة عند الرخاء)(6) وورد ( اذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره) وورد (إذا رأيت الله يتابع عليك البلاء فقد أيقظك) لكن الأحاديث الشريفة دعتنا الى عدم تمني البلاء وأن نسال الله العافية ففي الحديث (سلوا الله العافية من جهد البلاء، فإن في جهد البلاء ذهاب الدين)(7).

 

ويلفت الامام المهدي (عج) نظرنا الى بعض هذه الاسباب ويعطينا الوصفات العلاجية الدقيقة في رسالته الى الشيخ المفيد (رض) ومما جاء فيها عن سبب الذل والهوان ((ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)) ((ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم)). ومن الحلول التي وردت في كلام الإمام (ع) ((فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد انافت عليكم)) ((اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية)) ولا تعني التقية الانزواء والانكماش وترك العمل وانما تعني العمل بالممكن حتى تنفتح فرص الأزيد (فليعمل كل امرءٍ منكم بما يقرُبُ به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة)) (( انه من اتقى ربه من اخوانك في الدين واخرج مما عليه الى مستحقيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من امره الله بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته)). ولولا لطف الامام ورعايته لكانت المحنة اشد ولما بقيت لأتباع اهل البيت باقية قال عليه السلام ((لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الارض والسماء، فليطمئن بذلك من اوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه، وان راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب))(8).

 

السبب الثاني للبلاء:

 

وهذا الجواب ليس كافياً طبعاً لمثل المعصومين (ع) لذا فهناك سبب آخر للبلاء، روي عن حمران بن أعين انه قال للامام الباقر (ع) (جُعلتُ فداك، قول الله عز وجل (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أرايت ما أصاب النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) وأهل بيته من المصائب بذنب؟ قال: يا حمران أصابهم ما اصابهم من غير ذنب، ولكن يطول عليهم بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب)(9) وهذا النوع من البلاء يشمل شيعتهم ايضاً روي عن الامام الصادق (ع) قوله ((بنا يبدأ البلاء ثم بكم وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم))(10) وعن النبي (ص) (ما أكرم الله رجلاً إلا زاد عليه البلاء)) (11) .

 

وعن الامام الصادق (ع) قال (سئل رسول الله (ص) من اشد الناس بلاءاً في الدنيا؟ فقال: النبيون ثم الامثل فالامثل، ويبتلى المؤمن بعد على قدر ايمانه وحسن اعماله فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف ايمانه وضعف عمله قل بلاؤه)(12).

 

وهذا البلاء على اهل البيت سلام الله عليهم وشيعتهم منصبُّ عليهم منذ وفاة رسول الله (ص) حيث جمع اهل بيته وقال لهم (انتم المستضعفون بعدي) وازداد البلاء بعد استشهاد امير المؤمنين (ع)، فتنقل كتب التاريخ انه (اشتد البلاء في الامصار كلها على شيعة علي واهل بيته (ع) وكان اشد الناس بلية اهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل (معاوية)عليهم زياداً الذي ألحقه بنسبه وضم اليه البصرة والكوفة وجميع العراقَين، وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطّع الايدي والارجل منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل اعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق، فلم يبق بالعراق احد مشهور الا مقتول او مطلوب او طريد او هارب، وكتب معاوية الى قضاته وولاته في جميع الارضين والامصار (ان لا تجيزا لأحد من شيعة علي بن ابي طالب ولا من اهل بيته ولا من اهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادةً)(13).

 

ولما حبس المنصور بني الحسن (ع) وفيهم عبد الله المحض والد محمد النفس الزكية وابراهيم الذين ثارا على المنصور العباسي في المدينة والعراق للضغط عليهم حتى يسلموهما حبسهم ابو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل هم ام بالنهار ولا يعرفون وقت الصلاة الا بتسبيح علي بن الحسن والد الحسين بن علي صاحب فخ، فضجر عبد الله ضجرةً فقال: يا علي الا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ الا تطلب الى ربك عز وجل ان يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟ فسكت عنه طويلاً ثم قال: يا عم ان لنا في الجنة درجة لم نكن لنبلغها الا بهذه البلية او بما هو اعظم منها، وان لأبي جعفر (يقصد المنصور العباسي) في النار موضعاً لم يكن ليبلغه حتى ليبلغ منا مثل هذه البلية او اعظم منها فإن تشأ ان تصبر فما أوشك فيما اصبنا ان نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن منه شيء وإن تشا ان ندعوا ربنا عز وجل ان يخرجك من هذا الغم ويقصر بأبي جعفر غايته التي له في النار فعلنا؟ قال: لا بل اصبر)(14).

 

ايها الاحبة:

 

ان ولاية امير المؤمنين مرتبة شريفة لا تنال الا بالجهد والبلاء وضبط النفس وتطهير القلب، قال رجل للامام الباقر (ع) (والله اني لأحبكم اهل البيت. قال (ع): فاتخذ للبلاء جلباباً فوالله انه لأسرع الينا والى شيعتنا من السيل في الوادي)(15). وشرحها بعضهم فقال: جلباباً من العمل الصالح والتقوى تكون لك جُنة من الفقر يوم القيامة وقال آخرون-في معنى فليتخذ للبلاء جلبابا-: فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على الفقر، ويدل عليه قول امير المؤمنين: ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة! فقيل: وما سيماء الشيعة يا امير المؤمنين؟ قال: خُمصُ البطون من الطوى، يُبسُ الشفاه من الظما، عُمشُ العيون من البكا.

 

لأن شيعة علي عليه السلام أتقياء أنقياء برة صالحون ولا بد من اختبارات لتنكشف معادنهم (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2-3) فإذا اجتازوا هذه الامتحانات بنجاح استحقوا ما اعد الله تعالى لهم في دار الكرامة من فضله التي اشار اليها الله تبارك وتعالى بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:7-8) وروى جابر الانصاري عن رسول الله (ص) (ان خير البرية هم علي وشيعته) بمعنى التشيع الذي نشير اليه وذكرته الآية في ذيلها. قال رجل للحسن بن علي (ع) (أنني من شيعتكم. فقال الحسن بن علي (ع): يا عبد الله ان كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وان كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من اهلها، لا تقل انا من شيعتكم ولكن قل انا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير والى خير)(16).

 

وقال رجل للحسين بن علي (ع) : يا ابن رسول الله انا من شيعتكم قال (ع): (اتقِ الله ولا تدّعيَنّ شيئاً يقول الله لك: كذبت وفجَرت في دعواك، إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش ودغل، ولكن قل: انا من مواليكم ومحبيكم)(17).

 

وقد عرف أصحاب الأئمة (ع) هذه المرتبة الشريفة لولاية أمير المؤمنين (ع) فبذلوا جهدهم ليكونوا أهلاً لها وكانوا يبكون اذا نسبوا الى التشيع خشية ان لا يكونوا من اهل هذا الشرف كما حصل لأبي كهمس وابن ابي يعفور وفضيل بن سكرة(18)، قيل للصادق (ع): ان عمار الدهني(19) شهد اليوم عند قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك، لا تُقبل شهادتك لأنك رافضي، فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستفرغه البكاء فقال ابن ابي ليلى (القاضي): انت رجل من اهل العلم والحديث إن كان يسوءك أن يقال لك رافضي فتبرأ من الرفض وانت من اخواننا فقال له عمار: يا هذا ما ذهبت والله الى حيث ذهبتَ، ولكني بكيت عليك وعليّ، اما بكائي على نفسي فنسبتني الى رتبة شريفة لستُ من اهلها، زعمتَ اني رافضي، ويحك حدثني الصادق (ع) ان اول من سمي الرافضة السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى (ع) في عصاه آمنوا به واتبعوه ورفضوا امر فرعون واستسلموا لكل ما نزل بهم فسماهم فرعون الرافضة لمـّا رفضوا دينه، فالرافضي من رفض كل ما كرهه الله وفعل كل ما أمره الله، واين في الزمان مثل هذا، فإنما بكيت على نفسي خشية ان يطّلع الله على قلبي وقد تقبلت هذا الاسم الشريف على نفسي فيعاتبني ربي عز وجل ويقول: يا عمار أكنت رافضاً للأباطيل عاملاً للطاعات كما قال لك فيكون ذلك مقصرا بي في الدرجات إن سامحني، موجباً لشديد العقاب علي ان ناقشني إلا ان يتداركني مواليّ بشفاعتهم، واما بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله: أن صرفتَ خير الاسماء الحسان وجعلته من ارذلها)(20).

 

وفي ضوء هذا كان اهل المعرفة بحقيقة ولاية امير المؤمنين ليس فقط يصبرون على البلاء وإنما يعتبرونه نعمة تستحق الشكر وقد تقدم في الحديث الشريف :( لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة وذلك ان الصبر عند البلاء افضل من الغفلة عند الرخاء).

 

وورد فيما اوحى الله تعالى الى موسى بن عمران عليه السلام: (يا موسى ما خلقتُ خلقاً أحب الي من عبدي المؤمن، وإني انما ابتليه لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي اذا عمل برضاي واطاع امري)(21) .

 

وروي أن عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه، فقال له عيسى عليه السلام: (يا هذا، وأي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟) فقال: يا روح الله، أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبي من معرفته، فقال له (صدقت، هاتِ يدك) فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجهاً، وأفضلهم هيئة، وقد أذهب الله عنه ما كان به، فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه(22).

 

ومما نسب الى الامام الصادق عليه السلام : فمن صبر كرهاً ولم يشكُ الى الخلق او لم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله عز وجل (وبشّر الصابرين) أي بالجنة والمغفرة ومن استقبل البلاء بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه قال الله تعالى (إن الله مع الصابرين)(23).

 

 

 

 

السبب الثالث للبلاء:

 

وهذا الذي ذكرناه عام لكن مناشئ للبلاء خاصة بالشعب العراقي ومنها ان هذا البلد سيكون قاعدة انطلاق الامام المهدي (عج) في حركته العالمية لنشر الحق والعدل وان أهله الكنوز التي هي ليست من الذهب والفضة كما ورد في الحديث هم الطليعة الذين سيفتح بهم العالم وهذا الدور العظيم لا يتأهلون له إلا باجتياز عدد من الصعوبات والشدائد ونجاحهم فيها استعداد لأداء تلك الوظيفة الإلهية (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).

 

السبب الرابع للبلاء:

 

ان ما شهده العراق من تحولات وتغيرات بعد سقوط الصنم الصدامي والانطلاقة المباركة للشيعة في هذا البلد وعلو صوت اهل البيت (ع) بعد ان خنقه الطغاة طيلة اربعة عشر قرناً دفع الحاسدين والحاقدين على هذا البيت الطاهر الى محاولة اسكاته من جديد (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (النساء:54) وهؤلاء الطغاة يدركون عناصر القوة في صوت الحق اذا انطلق من العراق ويخشون تساقط عروشهم الزائفة.

 

ومما زاد في تخوفهم حياة الحرية وممارسة الامة لدورها للتعبير عن آرائها في قياداتها واختيار من تشاء لحكمها مما يعصف بأنظمتهم المستبدة والدكتاتورية التي تصادر رأي الامة وتفرض سلطتها بالحديد والنار فاندفعت القوى الاقليمية لتصدير الارهاب والسلاح والتكفير الى هذا البلد الكريم ليخربوه وليكسروا ارادة الامة ويثنوها عن ممارسة دورها الطليعي ودعموا ذلك بإعلام مضلل يشوه الحقائق ويعرضها بشكل مزيف ليُفشلوا هذا النموذج الذي وان كثرت تحفظاتنا على تفاصيله وعلى الناس الذين تصدوا لقيادته في هذه المرحلة إلا ان المشروع سائر في الطريق الصحيح وكل ما يحتاجه شيء من الترميم وتصحيح الاعوجاج في السير وهمة المخلصين لممارسة دورهم في إصلاح الخلل والفساد وافشال مشاريع التخريب بإذن الله تعالى.

 

لا اريد ان اطيل اكثر من هذا وان كان الموضوع يستحق لأن خطاباتي وكلماتي المستمرة تبين الكثير من تفاصيل هذا الحديث.

 

بارك الله لكم في عيدكم وجعلكم ممن رضي عنهم في شهر رمضان وأعتقه من النار وكتب لهم الفوز بالجنة انه ولي النعم.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) خطبة صلاة عيد الفطر المبارك للعام 1427

 

(2) الخرائج والجرائح 1/458.

 

(3) الاحتجاج 2/323.

 

(4) مكارم الأخلاق للطبرسي. 357.

 

(5) الامالي للشيخ الطوسي 228.

 

(6) صفات الشيعة/34.

 

(7) عيون الحكم والمواعظ 135-175

 

(8) الاحتجاج: 2/322-325.

 

(9) مشكاة الانوار للطبرسي /509.

 

(10) الامالي للشيخ المفيد 301.

 

(11) النوادر لقطب الدين الراوندي 165.

 

(12) مشكاة الانوار 515.

 

(13) كتاب سليم بن قيس 316.

 

(14) مقاتل الطالبيين 131.

 

(15) الامالي للشيخ الطوسي 154.

 

(16) مجموعة ورام 2-106.

 

(17) مجموعة ورام 2/106.

 

(18) معجم رجال الحديث 12/276.

 

(19) ابو معاوية بن عمار البجلي وصفه النجاشي بأنه وجه وكان ثقة في العامة أي عند العامة. (معجم رجال الحديث 12/274).

 

(20) مجموعة ورام 2-106.

 

(21) مشكاة الانوار للطبرسي 515.

 

(22) مسكن الفؤاد للشهيد الثاني/87.

 

(23) مصباح الشريعة 185.